بسم الله الرحمان الرحيم
يحتل القلب مكانة حساسة في جسد الإنسان، ولذلك تجد العلوم الطبية تهتم به وتنفق الأموال الطائلة على البحوث المتعلقة بتطوير طرق علاجه، وما كل هذا إلا للإحساس اليقيني بمركزيته وحساسيته. هذا فيما يتعلق بالقلب المادي المحسوس والملموس.
أما فيما يرتبط بالقلب غير المحسوس والذي ذكره القرآن الكريم في أكثر من آية، وتحدث عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث فإن أهميته تزداد وخطورته تتأكد أكثر فأكثر، إذ على صلاحه، أو فساده، يتوقف مصير الفرد، وينبني مصير الأمة.
فالله تعالى أنذر بالويل القاسية قلوبهم وأكد أنه سبحانه وتعالى يحول بين المرء وقلبه، وبيّن أنه لا ينجو يوم القيامة إلا من أتاه بقلب سليم ولا يفلح إلا من خشيه وجاء بقلب منيب.
والرسول صلى الله عليه وسلم بيّن أن في الجسد مضغة –وهي القلب- إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، وأكد أنه لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه وكان يستعيذ بالله من قلب لا يخشع ويسأله عز وجل أن يزين قلبه بزينة الإيمان.
فلماذا كل هذا الاهتمام بالقلب؟
التكاليف الشرعية التي أوجب الله على عباده نوعان منها ما يتعلق بالأعمال الظاهرة التي تقوم بها جوارح الإنسان على شكل أوامر مثل الصلاة، والحج، والزكاة... أو نواهي مثل القتل، والزنى، والسرقة؛ ومنها ما يتعلق بالأعمال الباطنة، ومحلها القلب، على شكل أوامر كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وكالإخلاص والصدق والتوكل ... أو نواهي كالكفر، والكبر، والحسد، والرياء ... ولهذا قال الله تعالى "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن" (الشعراء، 88)، وقال عز من قائل: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" (الأعراف، 33) وقال كذلك وقوله الحق "وذروا ظاهر الإثم وباطنه" (الأنعام، 120).
بل إن الأعمال الباطنة هي الأساس، ولا فائدة ترجى من عمل الجوارح إن كان القلب على خلاف ذلك، ولذلك استحق المنافقون أن يكونوا في الدرك الأسفل من النار، لأنهم يظهرون خلاف ما يبطنون، ويدعون نقيض ما يعتقدون، وجوارحهم في واد وقلوبهم في واد آخر. نعوذ بالله من أحوال المنافقين ونسأله عز وجل سلامة القلوب وصلاح السر والعلن.
لذلك وجب الاهتمام بهذا القلب الذي ما سمي كذلك إلا لسرعة تقلبه "إنما القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهر البطن" (رواه الإمام أحمد 4/408)، ولشدة تقلبه (لَقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا" فهو الموجه والمخطط ولذلك وصفه صلى الله عليه وسلم بالملك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه "القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث الملك خبثت جنوده" وبين صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن نظر الله إنما يتوجه إلى القلوب "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم" وبين كذلك أن "أول علم يرفع من الناس الخشوع" (رواه الترمذي) وأن "أكثر منافقي أمتي القراء" (رواه الإمام أحمد).