الإنسان نوعان عند مواجهة الأزمات: نوعا جامد تواجهه المشكلة فيقف عندها
مكتوف الأيدي مكتفيا بلوم الآخرين على ما حدث له فتتحول الأزمة إلى حالة
من اليأس التام وتبقى حياته سلسلة من المشاكل إلى ما لا نهاية، ونوعا
متغير يواجه الأزمة بتحدي لنفسه وأسلوبه فيجدد ويغير من توجهاته بحثا عن
حلا عمليا لأزمته فيخرج منها أكثر صلابة ونجاحا. الفرق بين هذا الإنسان
الناجح وذلك الإنسان اليائس هو أن الأول يأخذ بالأسباب التي دفعته إلى تلك
الأزمة فيتدبرها ويدرسها ويخرج منها بنتائج وحلول تبدل الأزمة إلى واقعة
مفيدة تعلم منها شيئا نافعا، في حين أن الإنسان الثاني يقف ساكنا عاجزا
أمام أزمته مكتفيا بتعليق خيبته على الآخرين؛ ويا حبذا لو كانت شماعة
إلهية تلك التي يعلق عليها خيبته، فيلقي بالأسباب على القدر و النصيب و
الابتلاء الإلهي، مثل هذا الإنسان يتصف بجمود عقلي وسلبية في تناول أزماته
تدفعه إلى حالة من اليأس والانهيار فيتحول إلى إنسان عالة على البشرية.
أما الإنسان المتغير ذو العقلية القابلة للغربلة والفاحصة لكل ما هو جديد
فحياته عبارة عن سلسلة من النجاحات المستمرة وحتى وإن قابلته أزمة فهو
وبفضل تحديه وإيمانه بأنه سيد قدره يحول الأزمة إلى فرصة للتعلم والمعرفة،
وبالتحديد فرصة للانتقال إلى ما هو أفضل.
إن التغيير والتجديد
هما سنة النجاح وهذا يفسر وجود أغلبية بشرية تعاني مقابل أقلية بشرية
تتمتع؛ فنسبة الإنسان المتغير القابل للتجديد أقل بكثير من نسبة الإنسان
الساكن الجامد فكريا وعقليا؛ ويقاس على هذا كل شيء في الحياة من فرد إلى
مجتمع، ومن مؤسسة إلى دولة، ومن دين إلى آخر. إن وقوع فرد أو مجتمع في
أزمة يعني بالضرورة أن هناك مشكلة أو خلل ما في المسار والتوجهات، ووجب
على الإنسان في هذه الحالة البحث عن سبل جديدة تناسب الزمان والعصر الذي
يعيش فيه الإنسان؛ ولكن قلما يكون عند الفرد الجرأة الكافية والاستعداد
الكامل للتغيير. إن الإنسان جبان بطبعه، عدوٌ لما يجهله، والتغيير يعني
بالضرورة التوجه إلى المجهول وتجربته، وقليلون هم من يتسمون بالجرأة
والإقدام، وبالتالي قليلون هم الفائزون في مقابل الخاسرون. والحقيقة إن
النجاح نتاج طبيعي للإقدام والشجاعة، والتعاسة نتيجة طبيعية للسكون
والجمود المصحوب بالخوف من كل ما هو غير مألوف؛ ولنا أسوة فيمن خلدهم
التاريخ، فالتاريخ لا يخلد إلا أسماء الأبطال الذين كان لديهم من الشجاعة
ما يكفي لتحدي الثقافة الراسخة، بل وأن رسل الله جميعا جاءوا لإرساء أسس
التغيير والثورة على ما هو راسخ ولتعليم الناس كيفية التكيف مع احتياجات
زمنهم بدون الخروج على الفطرة الإنسانية المتمثلة في الشريعة الإلهية. إلا
أن الإنسان مخلوق سلبي اتكالي بطبعه، يعشق السير في صف الجماعة كما
الأنعام ليشعر بالأمان ويلقي عن عاتقه عبء تحمل المسئوليات؛ فالإنسان لا
يحب تحمل عقبات تصرفاته ونتاج أعماله ويفضل إلقاءها على غيره ليشعر براحة
البال والضمير؛ وقلما نسمع جمل مثل: على أن أعيد النظر في تصرفاتي – مؤكد
إنني أخطأت في شيء – على أن أخطط لحياتي بصورة أفضل – لقد كنت أكبر عدوا
لنفسي – سأعيد ترتيب أوراقي، وكثيرا ما نسمع جمل مثل: حظي السيئ جعلني
فقيرا – مقدر ومكتوب – مؤكد إنني محسود – أنهم يكرهوننا – مديري يضطهدني
لأني قبطي – مديري يضطهدني لأني مسلم... إن الجمل التي يتفوه بها الإنسان
هي ما تحدد مصيره وتوجه أفعاله، فإما أن تدفعه أفكاره إلى التغيير
والتجديد ومن ثم التقدم وإما أن تدفعه إلى الجمود والركود ومن ثم اليأس.
وإذا نظرنا إلى حال المجتمع العربي الإسلامي خاصة لوجدناه أكثر المجتمعات
سلبية وأعظمهم تعليقا لخيبتهم على شماعة الآخرين. وهذا يفسر سبب تدهور
حالهم من سيء إلى أسوء واستبدالهم الأزمة بالأخرى، وهم في سلسلة مستمرة من
اليأس ولا يحاولون التوقف ولو للحظات للبحث في حالتهم المستعصية والوقوف
عند أسباب الأزمات الحقيقية بدلا من الصراخ والعويل المستمر مدعين أن
الأمم تكرهم حقدا عليهم!!
لقد بات المجتمع الإسلامي هدفا لسخرية
العالم، بدأً من رسوم مسيئة مرورا بأفلام مهينة وخطابات جارحة إلى ابتزاز
أفراد بسبب أصولهم المسلمة؛ فالإسلام لم يصبح فقط مجالا للسخرية ولكنه
أصبح شبهة وتهمة قد يخسر إنسان المنافسة أمام آخر لمجرد أن أسمه أو أصله
ذو طابع إسلامي. فكيف تعامل المسلم مع مثل تلك الأزمات؟ هل تحمل أسبابها
أم ألقى باللوم على غيره؟ هل بحث في أسبابها أم وقف مكتوف الأيدي مكتفي
بإلقاء اللوم على غيره لإراحة عقله؟ هل تعلم من تلك الأزمات شيئا أم خرج
من كل واحدة أكثر يأسا من ذي قبل؟ للأسف فإن المسلمين لم يتعودوا تحمل
مسئولية أزماتهم، فمنذ اختراععم شماعة اسمها عبد الله بن سبأ في زمن
الفتنة الكبرى وقد اعتاد المسلمون إيجاد مخرج لأزماتهم بإلقاء اللوم على
غيرهم وخاصة إن كان غيرهم من اليهود. ولازالت عقلية المسلم هي ذاتها لم
تتغير منذ قرون، فهو ليس على استعداد للاعتراف بوجود خلل في توجهاته بل
ويفضل الصراخ والعويل والتنديد كلما دخل في أزمة؛ وفي كل أزمة يبدأ المسلم
بالعزف على لحن التآمر على المسلمين وإسلامهم ورغبة البعض في تدمير
العقيدة وإطفاء نور الله. فهل سأل المسلم نفسه يوما لما يريد العالم
المتقدم - اليوم - هدم الإسلام؟ هل الإسلام يهدد كيانهم؟ نعم إن الإسلام
يهدد كيانهم لأنه في نظرهم دين رجعي يدعو إلى الجمود الفكري والتوقف عند
زمان ومكان معين. وهل حقا يريد العالم المتقدم المستنير أن يطفئ نور الله؟
ولماذا يطفئ إنسان متقدم نورا قد يساعده على مزيد من التقدم؟ أم أن هذا
الإنسان لم يرى إلى ظلاما شيطانيا يزحف ويكاد يطغى على نور العالم الغربي
فخاف و فزع و هب إلى وقفه!