أهناك شك في أننا مستهدفون؟
[size=21]أطماع هؤلاء بأرضنا الغنية بمقدساتها وترابها وأهلها قبل نفطها حقيقة لا مراء فيها. أطماع سيجدون لها مبررات، وسيعمدون إلى افتعال أجواء تمكنهم من التحرك بحرية في محيطها. سيحاولون جاهدين شق الصفوف وإثارة الأحقاد، وإشعالها في جميع الاتجاهات دون استثناء، فلعل ذلك يحقق لهم المراد.
سأحدثكم عن واقعة أجزم أن القلة سمعوا بها، وأن أغلبكم سيصاب بالذهول قبل أن يصل لنهايتها، فهي من الغرائب التي يصعب تصديقها، ولولا أني اطلعت على تفاصيل وتواريخ أحداثها لما تفوهت بها.
كان يا ما كان في قديم الزمان.. كان هناك إنسان طفيلي اعتاد التطفل على البشر والتباكي أمامهم، نواياه ظاهرة وأطماعه واضحة ومع هذا وذاك لا يتباطأ في تكرار محاولاته مرة تلو الأخرى، واليوم سأحكي لكم إحدى محاولاته الفاشلة.
ولكن قبل ذلك أتساءل: هل ستصدقون لو أخبرتكم أن أطماع صهيونية يهودية تطلعت يوماً لاحتلال لا بل لامتلاك (الأحساء) وتحويلها لدولة يهودية؟. أعتقد أن نصفكم بل أكثر لن يصدق.
على أية حال سأبدأ في سرد أحداث هذه الواقعة، والتي نقلها لنا عبدالجابر محمود السامرائي في كتابه (الأطماع الصهيونية التوسعية في البلاد العربية)، ففي 12/ سبتمبر / 1917م، تقدم (م. ل. رونشتين) الطبيب اليهودي الروسي باقتراح ل (بريطانيا وفرنسا وروسيا) يقتضي إعداد وتنظيم جيش في البحرين يوضع تحت إمرته، قوامه 120 ألفاً من اليهود، يعمل على مساعدتهم ضد (ألمانيا، والنمسا، والمجر، والإمبراطورية العثمانية) وذلك بغزو واحتلال مقاطعة (الأحساء)، ومن ثم العمل على إنشاء دولة يهودية فيها، تضم المقاطعات الشمالية من الخليج العربي، بما في ذلك البحرين، مقترحاً أن تدفع بريطانيا وحدها أو بمشاركة حلفائها تكاليف هذا الغزو.
كما اشترط رونشتين أن يتولى بنفسه مهمة إدارة هذه الدولة، مؤكداً ضرورة إحاطة هذه الخطة بسرية تامة حتى لحظة غزو (الأحساء).
وإليكم الترتيب الإداري لهذه الخطة:
* وضع مشروع معاهدة بين الحلفاء وبريطانيا من جهة، وبين رونشتين باعتباره المتحدث باسم الدولة اليهودية المقبلة من جهة أخرى.
* يصبح المشروع معاهدة رسمية بعد موافقة مجمع الحاخامات رجال الدين على رأس الفرق اليهودية.
* بعد الانتقال إلى البحرين يتم غزو منطقة (الأحساء).
* اعتراف دول الحلفاء بالدولة اليهودية، وإجراء تنظيم سريع لها.
* إعلان حالة الحرب بين الدولة اليهودية وتركيا، وقيام الفرق اليهودية بما تقتضيه المعارك حتى النصر النهائي لدول الحلفاء.
ولم يكتف رونشتين بتوضيح حيثيات الترتيب الإداري المقترح لخطته ومشروعه، بل سعى لتزيين اقتراحه، مبيناً للحلفاء أن قيام دولة يهودية في (الأحساء) يعود عليهم بفوائد شتى، فذكر:
* أن اعترافهم الفوري بهذه الدولة اليهودية، يحفز يهود العالم على الاندفاع لنصرتهم ومساندتهم ضد أعدائهم.
* يؤمن تدفق الأموال والمحاربين لدولهم.
* إن قيام الدولة اليهودية في الأحساء سيشل يهود ألمانيا وتركيا بسبب الانتماء الديني، وعندها سيمتنعون عن محاربة هذه الدولة ومن كان وراءها.
ولأهمية هذا الاقتراح كما يبدو قام السفير البريطاني في فرنسا ببعثه إلى وزير الخارجية البريطاني بلفور، طالباً تعليماته حول الرد المناسب، وأشار بلفور إلى أنه: (بصرف النظر عن الاعتراض العام لإدخال عنصر جديد في الجزيرة العربية، وبصرف النظر عن المشكلة التي هي مثار الجدل حول عدم الرغبة في إقامة دولة يهودية في أي مكان، هناك أسباب خاصة لاعتبار المواقع المختارة لكل من تمركز الفرق اليهودية، وللإقامة النهائية للدولة اليهودية المقترحة غير ملائمة تماماً). وبالتالي اعتذرت وزارة الخارجية إلى رونشتين.
قد يقال إن هذا الاقتراح قوبل بالرفض وبالتالي فلا قيمة له، ولكن ألا يجدر بنا التوقف عند حرص السفير البريطاني الذي تعمد إرساله لوزارة الخارجية البريطانية، وانتظار توجهات الوزارة بهذا الشأن، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، سنجد أن أطماع هؤلاء زادت حدة مع الأيام، ومما زاد من تلك المطامع خيرات البلاد الكامنة في باطنه، فقد نشرت صحيفة معاريف الصهيونية يوم 28/2/1975م مقالا لكاتب صهيوني جاء فيه: (إن آبار النفط السعودية تبعد فقط 1600 كيلومتر عنا، ويمكن للقوات الإسرائيلية القيام باحتلال تلك الآبار بسهولة، فالجيش السعودي قليل العدد ومبعثر على مساحة واسعة، في حين أن الإنزال الإسرائيلي سيكون على مساحة بضعة كيلومترات، وكثافة الإنزال ستكون كافية لاحتلال هذه المواقع).
وأثناء الحرب الإيرانية العراقية 1980 1988م أعلن أحد الخبراء العسكريين الصهاينة: (أن الطائرات الناقلة للقطاعات العسكرية، قد وصلت إلى مطار عينتيبه الأوغندي، وأن بإمكاننا الوصول إلى بغداد والرياض والكويت، وبإمكاننا أن نستولي على المطارات الجوية وحقول النفط هناك).
أطماع هؤلاء بأرضنا الغنية بمقدساتها وترابها وأهلها قبل نفطها حقيقة لا مراء فيها. أطماع سيجدون لها مبررات، وسيعمدون إلى افتعال أجواء تمكنهم من التحرك بحرية في محيطها. سيحاولون جاهدين شق الصفوف وإثارة الأحقاد، وإشعالها في جميع الاتجاهات دون استثناء، فلعل ذلك يحقق لهم المراد.
أعتقد أننا يجب علينا كمسلمين في علاقاتنا مع بعضنا البعض، وفي علاقاتنا مع غيرنا، ألا ننسى مطلقا قول هرتزل مؤسس الصهيونية والداعي لإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين، والذي جاء فيه: (إن ما يلزمنا ليست الجزيرة العربية الموحدة، وإنما الجزيرة العربية الضعيفة المقسمة الواقعة تحت سيادتنا، المحرومة من إمكان الاتحاد ضدنا).
وأقول لمن لا يرى حتى موضع قدمه: أهناك شك في أننا مستهدفون؟، وهل هذا الاستهداف دوافعه أمنية كما يحلو للبعض تفسيره؟ أم هو استهداف تحركه أطماع تاريخية واقتصادية تزداد ضراوة يوماً بعد يوم؟.[/size]