ربما يتساءل العديد ممن يطرح عليهم هذا السؤال عن أي واقع أتحدث وتتسارع إلى أفكارهم كل آلامهم وجراحهم، يتذكرون الزواج الذي لم يتمكنوا وهم في هذا السن من الإقدام عليه، والمنزل الذي لا يملكون القدرة على اقتنائه، والسيارة التي ربما تبدو لهم حلما صعب التحقيق، والمهنة التي هم غير راضين عليها وكل تلك الأحلام والأماني التي لم يتمكنوا من تحقيقها... بيد أن المفروض أن يتفكروا في كل ما حققوه، في الاستقرار الذي وإن كان نسبيا إلا أنهم ينعمون به على عكس العديدين، في الأمن الذي يتمتعون به، في وسائل المعرفة المتاحة لهم بل وفي أبسط ضروريات العيش التي ينعمون بها من ماء وكهرباء ووسائل تنقل وغيرها... كنت ممن يجاهدون لمنع التساؤل حول ماهية النعم المقصودة في السؤال إلى أن خضت تجربة جعلتني أعرف معنى أن أكون أنا ومنحتني الرغبة في الاستمتاع بما أملكه بل ومنحتني طعم الرضى الحقيقي، إذ منذ بضع سنوات قمت بزيارة لإحدى القرى النائية جنوب المغرب، قرية رغم بساطة سكانها إلى أنني تعلمت منهم الكثير...
تتواجد القرية على قمة جبل لا خضرة فيه، على قمته بضع مساكن ترابية ذات أبواب صغيرة تفرض على داخلها الانحناء كي يتمكن من ولوج المنازل التي تتشاركها الأسرة الكبيرة من أبناء وأجداد وأحفاد، أناس يعيشون بعيدا عن كل مظاهر الحضارة ولا يعرفون من العالم أكثر مما يحكى لهم، طعامهم بقمة البساطة ولباسهم مما يجود به بعض أقاربهم من سكان المدينة من ملابس مستعملة، ألوانهم شاحبة وأجسادهم وهنة وأياديهم وأرجلهم متشققة من كثرة العمل الذي لا يستثني الصغار منهم ولا كبار السن... ورغم قسوة ما يعيشونه تجدهم راضين حامدين شاكرين لنعم الله عليهم متآخين متراحمين يحترم صغارهم الكبار، ويساعد قويهم ضعيفهم... في يوم من الأيام تجمهر حولي الصبية ليكتشفوا بأسئلتهم المتعددة التي لا تخلو من الطرافة العالم الآخر الذي لا يعرفون عنه سوى الزوار الذين يحلون عليهم بين الفينة والأخرى، وإذا بإحدى الفتيات تسألني كيف يبدو البحر، وجدت نفسي عاجزة عن الإجابة، لم أتمكن من وصف ما يبدو لنا شيئا عاديا لا يثير الاهتمام، طرحوا علي أسئلة عن منازل المدينة وعن أناسها وعن المدارس والأسواق... عما يبدو لنا تافها وغير ذي قيمة، لم يسألوني لا عن الأنترنيت ولا عن الأقمار الاصطناعية ولا عن أحدث موديلات الهواتف النقالة ولا عن السيارات ولا عن ماركات الملابس... حينها شعرت بأهمية وقيمة ما أملكه وما هو متاح لي من أمور طالما اعتبرتها تافهة وطالما اعتبرت أنها من أقل ما يمكن أن أحصل عليه، فإذا بي أكتشف أن هناك ما هو أقل... إذ أنني أملك ولله الحمد أكثر من حياة في قرية معزولة نائية، وأرى أكثر من حدود القرية الصغيرة، وتعلمت أكثر من مجرد الطبخ وتربية إخوتي الصغار، ومارست ألعابا أكثر من الركض بين الصخور الضخمة وغرس حبات الأركان في التربة للبحث عنها باستخدام الأغصان، وقدم لي والدي أكثر من توفير المأكل والمشرب، ولم أكن مضطرة لسحب دلو الماء المتدلي لأمتار عديدة كي أتمكن من شرب كأس ماء، ولم أكن مضطرة للعمل تحت الشمس الحارقة كي أتمكن من توفير طعامي، وتمكنت من الدراسة ومن الاطلاع على مستجدات العالم، بل وتمكنت من معرفة أمور ديني بشكل أكثر دقة مما يقدمه الفقيه في مسجد القرية...
رغم صعوبة حياتهم إلا أنهم يملكون من القناعة والرضى ما يجعل حياتهم ممتعة، والأهم أنهم يملكون من البراءة التي لم تنل منها ترسبات الحياة "المتحضرة" ما يجعل إنسانيهم أعمق وأصدق منا...
فليتفكر كل منا فيما منحه الله تعالى ولم يمنحه لغيره وليشكره تعالى عليه ويعمل على استخدامه بالشكل الصحيح.
خديجة
تتواجد القرية على قمة جبل لا خضرة فيه، على قمته بضع مساكن ترابية ذات أبواب صغيرة تفرض على داخلها الانحناء كي يتمكن من ولوج المنازل التي تتشاركها الأسرة الكبيرة من أبناء وأجداد وأحفاد، أناس يعيشون بعيدا عن كل مظاهر الحضارة ولا يعرفون من العالم أكثر مما يحكى لهم، طعامهم بقمة البساطة ولباسهم مما يجود به بعض أقاربهم من سكان المدينة من ملابس مستعملة، ألوانهم شاحبة وأجسادهم وهنة وأياديهم وأرجلهم متشققة من كثرة العمل الذي لا يستثني الصغار منهم ولا كبار السن... ورغم قسوة ما يعيشونه تجدهم راضين حامدين شاكرين لنعم الله عليهم متآخين متراحمين يحترم صغارهم الكبار، ويساعد قويهم ضعيفهم... في يوم من الأيام تجمهر حولي الصبية ليكتشفوا بأسئلتهم المتعددة التي لا تخلو من الطرافة العالم الآخر الذي لا يعرفون عنه سوى الزوار الذين يحلون عليهم بين الفينة والأخرى، وإذا بإحدى الفتيات تسألني كيف يبدو البحر، وجدت نفسي عاجزة عن الإجابة، لم أتمكن من وصف ما يبدو لنا شيئا عاديا لا يثير الاهتمام، طرحوا علي أسئلة عن منازل المدينة وعن أناسها وعن المدارس والأسواق... عما يبدو لنا تافها وغير ذي قيمة، لم يسألوني لا عن الأنترنيت ولا عن الأقمار الاصطناعية ولا عن أحدث موديلات الهواتف النقالة ولا عن السيارات ولا عن ماركات الملابس... حينها شعرت بأهمية وقيمة ما أملكه وما هو متاح لي من أمور طالما اعتبرتها تافهة وطالما اعتبرت أنها من أقل ما يمكن أن أحصل عليه، فإذا بي أكتشف أن هناك ما هو أقل... إذ أنني أملك ولله الحمد أكثر من حياة في قرية معزولة نائية، وأرى أكثر من حدود القرية الصغيرة، وتعلمت أكثر من مجرد الطبخ وتربية إخوتي الصغار، ومارست ألعابا أكثر من الركض بين الصخور الضخمة وغرس حبات الأركان في التربة للبحث عنها باستخدام الأغصان، وقدم لي والدي أكثر من توفير المأكل والمشرب، ولم أكن مضطرة لسحب دلو الماء المتدلي لأمتار عديدة كي أتمكن من شرب كأس ماء، ولم أكن مضطرة للعمل تحت الشمس الحارقة كي أتمكن من توفير طعامي، وتمكنت من الدراسة ومن الاطلاع على مستجدات العالم، بل وتمكنت من معرفة أمور ديني بشكل أكثر دقة مما يقدمه الفقيه في مسجد القرية...
رغم صعوبة حياتهم إلا أنهم يملكون من القناعة والرضى ما يجعل حياتهم ممتعة، والأهم أنهم يملكون من البراءة التي لم تنل منها ترسبات الحياة "المتحضرة" ما يجعل إنسانيهم أعمق وأصدق منا...
فليتفكر كل منا فيما منحه الله تعالى ولم يمنحه لغيره وليشكره تعالى عليه ويعمل على استخدامه بالشكل الصحيح.
خديجة