الحلم :
" هو أن .. تفتح ذراعيك للمدى .. وروحك تنظر للسماء .. مغمضاً عينك ..
لتعانقك السماء بالمطر .. وأنت عارٍ من كل شي .. إلا من العشق " .
دريموند براكفيتش .
كان ...
عندما يداهمه النوم .. يبحث عن ذراع أمه ..
يستلقي عليه ..
يعلق العالم على رمشيه .. فترة .. ثم يسقطه فجأة .. عندما ترحل الروح إلى خالقها ..
كان هكذا !
لم تعن له .. الأحلام .. يوماً .
لم يبحث عن إجابة عن معنى النوم !؟ والحلم !؟ والروح أين مكانها أو إلى أين تغادرنا ؟!!
كل ما يذكره .. من هذا التاريخ ..
هو قول أمه ( التي يحب ) له " عندما ينسى أشياءه في المدرسة يوماً " :
- كل ما أخافه عليك يا صغيري .. هو أن تنسى روحك يوماً ما .. وتأتي بدونها .
ثم تحتضنه .. لتخلط أضلاعها بأضلاعه ..
أو لربما هي تجعل .. روحها .. تتحسس من وجود روحه بصدره .. عندما تحتضنه .
لا يدري ..
عن أي شيء ..
هذا التاريخ .. في القصي من ذاكرته .
المرأة .. في حياته .. هي أمه !
أو بمعنى .. أشف ..
أنه أعتنق الحب .. مع المرأة في حياته .. من خلال أمه .
قبلها .. بصدق ..
وعانقها .. بصدق أكثر ..
ونام في حضنها كطفل .. دوماً ..
ومارس غرور القوة .. كرجل ٍ عظيم .. بين يديها ..
شاركته .. الفرح ..
وبكت معه .. في حزنه ..
كان ينادينها : حبيبتي ..
وكانت تجيبه : ماذا .. يا حبيبي .
الأيام .. ليست كريمة دائماً ..
تباغتنا .. بعالم ٍ آخر ..
رغم أننا .. لم نكتفي .. من العالم الأول !
هكذا اعتادت ..
وهكذا .. اكتشف .. عند بلغ الحُـلـُـم .. وعندما أنتقل لغرفة ٍ تخصه .. دون أن يشارك أمه السرير ..
في هذه الأثناء ..
بدأ النوم وحيداً .. من دون ذراع أمه .. وأنفاسهما التي يتشاركان فيهما بالمكان .
لكنّ .. أمه لم تبخل على صغيرها .. بزيارات خاطفة .. تأخذ من روحه .. وتمضي .
كانت .. إما أن .. تشير إلى خزانته .. وهي تقول : علّق روحك قبل أن تنام !
أو بعض مرة .. عندما تقول : ضع قلبك تحت مخدتك .. ثم نم .
أغصان عمره .. تتمدد رويداً رويداً ..
تكبر .. شيئاً .. فشيئاً ..
ولازالت .. رائحة النعناع " أمه " .. هي حبيبته .
وهو كل مرة ٍ يقسم .. أن رائحة النعناع .. هي أجمل امرأة في العالم .
أو لربما .. هو يقول : إنها المرأة الوحيدة في العالم .
ودائماً ما يتأكد من .. ذلك .. ويؤكد عليه .
ذات مرة ٍ ..
فاجأته .. سيارة ذات مشوار .. لتصطدم به .
لتفاجئه .. أمه .. المفاجأة الأخرى .. باتصال وصوتها يتغلغل لروحه .. عندما سألته :
- هل أنت بخير .. يا صغيري ؟
- إني بخير .. يا حبيبتي .
- قلبي يقول غير ذلك !!
- حبيبتي .. لا أستطيع الكذب .. فقلبك أصدق مني . " ثم يخبرها الحقيقة " .
ذات مرات ٍ أخرى ..
يدخل غرفته .. صامتاً .. وحزنٌ يعيث في صدره .. ألماً .
لتفاجئه .. رائحة النعناع .. بالدخول !
ثم تستلقي .. على طرف سريره معه ..
ثم تحدثه .. ويتحدثان .. صمتاً ..
صمتاً ..
صمتاً ..
لتورق .. الحياة من جديد .. في صدره .. ويكف العبث .
ثم ترحل أمه .. وهي تحمل إحساسا أنه أفاق من حزنه .. كما الإحساس الذي أتى بها ..
ويقسم بالله .. أنهم لم ينطقوا كلمة .. واحدة ..
لكن الحزن رحل عنه !!
الآن ..
شب عوده .. وأصبح ينحني للريح التي تغريه ..
الآن ..
أصبح يحس المرأة .. بصدره !
ويتساءل .. هل ثمة امرأة أخرى .. تشبه رائحة النعناع أمي ؟؟
هل ثمة ..
حديث صاحبه .. ذاك المساء .. أوغل في غرس السؤال في ذاكرته !
هل ثمة .. امرأة تشبه هذه الفاتنة .. وتسرق القلب عنوة ؟
ذاك المساء .. عندما تفارقا في المقهى .. وصاحبه يودعه بالقول ..
- إلى اللقاء .
- إلى اللقاء .. يا صاحبي .
- لحظه ! هل ستنام عندما تصل .. أم أهاتفك ؟
- أتظنني .. سأنام .
- إذاً .. لا تنم حافياً .. ولا تأخذ روحك معك في الحلم .. كي لا يسرقنه منك ! ( يقولها مازحاً ) .
في الطريق .. تمنى لو سأل صاحبه ..
من هن اللاتي .. سيسرقن قلبي ؟
وما معنى أن يأتين .. أثناء النوم !!
" ثم يستدرك صيغة السؤال ويعيده " .. من سيسرقنني في الحلم ؟
ولماذا .. أمي تقول : ضع قلبك تحت مخدتك .. وعلق روحك .. ثم نم .. دائماً .. !!؟ ..
يصل البيت ..
صوب الهاتف .. تتسارع خطاه ..
يشرع بأرقام صاحبه .. وعلى الطرف الآخر يباغت سمع صاحبه .. بالسؤال :
- ما لحلم يا صاحبي ؟
- الحلم .. الحلم .. " ثم يجيب بسرعة " .. إنه كما يقول " براكفيتش " . لمَ !؟
- ومن .. سيسرقني فيه ؟ .. عندما حذرتني ! ..
- لا أدري .. لكنهم يقولون هكذا .. دائماً ..
- إنك .. تغريني ..
- بماذا !؟
- بالبحث عن إجابة ..
........................
........................................ ( فترة صمت ) .. يفضها صاحبه .. بالسؤال :
- هل تفكر .. في أخذ قلبك معك !؟
- ربما ..
- لا تفعل .. إني أحذرك ...
- ( يضحك .. بغرور خائف ) .. لا تخف عليّ يا صاحبي .. يصبح الخير بك .
- أصبح بك .. فأنت الخير .. إلى اللقاء .
ناحية .. سريره يمضي ..
والأحداث .. بداخلة متسارعة .. تعصف بالباقي لديه من هدوء .. زارعة ً حقلاً كبيراً من الأسئلة .. التي تنتظر إجابات .. يأتيها موسم حصاد .. وربما هذه الليلة هي موسم الحصاد .. لأسئلته ..
ما لروح !؟
وما معنى .. ألا أنام وقلبي معي !؟
وربما .. أشدها ..
ما معنى الحلم !؟
11.33 ليلاً ..
لأول مرة ٍ .. يستلقي على مخدة لا يخبأ قلبه تحتها ..
لأول مرة ٍ .. يشد معطف جلده عليه .. ويزّر أزرار أضلعه على قلبه ..
استعد بيقظة ٍ .. كي لا يسرق قلبه الذي ما فتأت أمنه من صونه .. بتحذيراتها ..
يسند جسده الذي سيتسرب للحرب .. بعد قليل .. على جانبه الأيمن ..
ثم يحتضن قلبه بيده .. ويلقي عليه بعض أدعية ..
بعدها يبلل .. شفتيه بذكر ..
( بسمك ربي وضعت جنبي , وبك أرفعه , فإن أمسكت نفسي فأغفر لها وأرحمها , وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين .) ..
وينساب .. كجدول ٍ رقراق .. راجف ببطء .. من أثر شتاء .. إلى نومه ..
عينيه .. بداخل جفنيه .. تجريان في الظلمة .. بحثاً عن اللاتي سيأتين للسرقة !
يبحث عنهن دون أن يضع في مخيلته .. أي تصور لأشكال هن .. أو ماهية العطر الذي يلامس أجسادهن .. لأنه كثيراً ما فسر شخصية من أمامه من خلال عطره .
ظل مترقباً .. في الظلام ..
مترقباً ..
مترقباً ..
بحذر .. جندي يذود عن الوطن الذي يحب ..
بحذر .. يمامة تحرس فراخها .. ذات ليل موحش ..
بحذر .. فتى .. يحس أن قلبه سيسرق منه الليلة ..
وظل .. مترقباً ..
12.14 من منتصف الليل ..
يرخي معطف جلده قليلاً .. ويحل بعض أزرار الأضلاع .. كأغراء ً للسارقات بالهجوم .
مع ترقب ٍ .. لم ينضب , وحذر ٍ .. يتسكع في الدواخل ..
لكن اللاتي يسرقن .. لم يأتين !!
لم يأتين !
يتمتم بداخله .. " لم يأتين ! " ثم ينهض من مخدته .. وشعور فرح بداخله .. بأنه أكبر من أن تسرقه أخرى ..
وشعور فرح بداخله .. أنه لاشيء .. يشبه رائحة النعناع .
وشعور مغرور بداخله .. أن صاحبه لم يكتشف بعد أنه أكبر من أن يأتي أحد يليق به أن يسرقه .
ينهض من سريره .. إلى غرفة أمه ..
يفتح بابها بدفء .. ليتلصص عليها وهي تغفو على مخدتها .. أشبه بامرأة ٍ أسقطها الله من الجنة .
يغرق عينيه بصورتها .. حد الإشباع ثم يمضي إلى غرفته من جديد .
01.01 من الفجر الجديد .
يستلقي على مخدته .. ونبض ٌ شفيف يتردد صداه في صدره ..
بعدها .. يعبأ المكان بطهر أذكار النوم .. ويغمض عينيه .. ناسياً أن يضع قلبه تحت المخدة ..
ودون أن يزّر .. صدره عليه ..
نام عارياً .. من كل شيء .. كل شيء .. إلا من العشق .
نام .. كشجرة أرز عظيمة .. في أعلى المرج .. عارية من أي حصن ٍ يحميها من بغتة الريح .
نام .. كطفل لم يكترث لأي شيء .. سوى من أمنيات ٍ .. أن يأتيه ثدي أمه .. باكراً .
كما يقول " دريموند براكفيتش " :
الحلم : هو أن تفتح ذراعيك للمدى , وروحك تنظر للسماء .. مغمضاً عينيك ..
لتعانقك السماء بالمطر , وأنت عار ٍ من كل شيء إلا من العشق .
وهكذا فعل .. دون أن يدري ..
ولهذا الحلم .. أتى إليه ..
امرأة من زمن التكوين .. ترتدي الأحمر الموغل بالفتنة .. ناثرة ً في المكان عطرها الذي لم يولد إلا لجسد يشبه جسدها .. أو لربما لم يولد إلا لجسدها .. هي وحدها ..
تأتي جالسة ً على طرف غيمه .. مليئة بالخير والمطر .. تزفها الريح .. لتهبط بسلام وأمن على طرف سريره ..
تنزل منها المرأة من زمن التكوين .. كالماء .. لتبلل المكان بحضورها .. ولتسقي ذاكرة أحلامه العطشى ..
تحاذي غيمتها التي أقلتها السرير .. أو لربما السرير أصبح غيمه أخرى .. لأنه أحس في أطرافه بللاً .. وعلى جبينه بللٌ آخر .. عندما فرقت بأصابعها .. شعرات ٍ كانت تتدلى بكسل على جبينه .
أصبح المكان .. غيمه يستقلها ملاكين .. رسمها فنان يليق به ألا يرسم غيرها .. ويصبح الأعظم .
ظل محساً أن ثمة من يجاوره المكان / الغيمه ..
وتساءل " بينه وبينه , دون أن يفتح عينيه " : هل هي رائحة النعناع ,أمي ؟
أم هي من .. اللاتي ....... !!!؟
أراد أن ينهض ..
لكن خدر ٍ بدأ يدب في أطراف جسده .. مع إحساس بأن رائحتها وأنفاسها ودفق قلبها يقتربون أكثر منه ..
كمن هو في خضم الموت اللذيذ الرحيم والجميل كالعذاب ..
أنفاسها .. أكثر فأكثر .. قريبة الآن ..
وروحه تتصاعد .. مع كل اقتراب ..
صاعدةً .. من العمق .. ومجيبة على أول سؤال .. أين الروح !؟
فهو بداخله الآن يجيب :
إنها في العمق منطفئة لا تحس .. إلا بحضور الملائكة .
هاهي الإجابات .. تتهاطل ..
إنه بحضرة ملاك الآن .. ملاك ُ تشبه رائحة النعناع .
وفي غمرة الحدث .. والإجابات الهاطلة .. أنفاسها تمتزج بأنفاسه .. وروحه مستمرة في التصاعد .. لتفاجئه اللحظة .. بجنون " نفس " اللحظة ..
قبلة ..
رطبة .. أشبه بمطر استوائي عذب بريء .. موغلٌ بالروعة واللذة .. والإغراء حد الغرق .
يفز قلبه ..
ويرتجف بقوه ..
ويسأل :
- هل أنا في الحلم .. أم .. في الحلم ؟
( ولا تجيبه .. إلا بقبلة أخرى .. ووجه ٍ وضاء .. وشفتين مغموستين .. بجمر .. ينطقان صمتاً )..
ليعيد السؤال .. بصيغة أخرى ..
- هل أنت ِ قرينة .. رائحة النعناع , أمي ؟
وبصوت ٍ يشبه الغناء .. تجيبه :
- أنا ثاني امرأة .. بعد رائحة النعناع .. أنا ورقة النعناع .. إن شئت .
- لمَ أنت ِ هنا !؟ أقصد .. لم أتيتِ !؟
- لأعلمك الحب .. وأن ثمة امرأة أتعبها انتظارها .. لك حباً ..
- ولمَ لمْ .. تأت ِ سابقاً !؟
- لأنك .. لم تمارس طقوس الحلم .. بما يشفع لي بالحضور ..
أتدري ..
أنك الليلة بت .. وقلبك ينتظرني في صدرك .. " وتستدرك " .. ربما لم تعلم .. لكنك قلبك كان يعلم .
نبضهما الآن .. خفق ٌ واحد ..
وروحيهما .. تطيران .. للسماء .. معتنقات .. بأجنحتهما البيضاء ..
والغرفة مضاءة .. بقلبيهما .. كأن ثمة شمع يرتجف نوره في جدران الغرفة الكسولة ..
وبعض ٌ من جسد الريح .. يعبث بالستائر .. النائمة وقوفاً على النافذة ..
وعطرها .. يندس في جسده .. لأنه أختلط عليه الجسدان ..
ثم غناء ٌ .. لا يعلم مصدره تحديداً ! .. أو من أين تنبت أغصانه .. لتبلل المكان !!
وحكايا .. حكايا ..
وأشياءٌ .. لا تحكى علانية .. ولأن الحب لا يحكى ..
فهو يترك للذواقة .. للانسكاب خيالاً فيه ..
05.11 فجراً ..
أمه تفتح الباب .. لتوقظه لصلاته .. وثمة ابتسامة في شفتيها .. عندما وجدته يقظاً ..
لتبادره بالسؤال :
- من زارك الليلة !؟
" ولا يجيبها .. إلا بابتسامة .. يلمع في أطرافها .. بعض من البلل الذي تركته ورقة النعناع "..
ليظهر صوت أمه .. من جديد وثمة .. خبث ٌ جميل فيه ..
- لا تخف .. لقد استأذنتني .. قبل أن تأتيك ,,
فيبتسم .. وهو يعانق صدر أمه .. ويقول :
- أحبك .. يا رائحة النعناع .
- و ورقة النعناع تشاركني بك الآن .. يا صغيري ..
تنويه :
ناموا الليلة القادمة .. حفاة ..
وسيقلكم العشق .. إلى .. إلى .. !!
( لكم الحرية في اختيار الخيال والحلم .. فيما بعد .. إلى ! ... إلى ! .... ) .
" هو أن .. تفتح ذراعيك للمدى .. وروحك تنظر للسماء .. مغمضاً عينك ..
لتعانقك السماء بالمطر .. وأنت عارٍ من كل شي .. إلا من العشق " .
دريموند براكفيتش .
كان ...
عندما يداهمه النوم .. يبحث عن ذراع أمه ..
يستلقي عليه ..
يعلق العالم على رمشيه .. فترة .. ثم يسقطه فجأة .. عندما ترحل الروح إلى خالقها ..
كان هكذا !
لم تعن له .. الأحلام .. يوماً .
لم يبحث عن إجابة عن معنى النوم !؟ والحلم !؟ والروح أين مكانها أو إلى أين تغادرنا ؟!!
كل ما يذكره .. من هذا التاريخ ..
هو قول أمه ( التي يحب ) له " عندما ينسى أشياءه في المدرسة يوماً " :
- كل ما أخافه عليك يا صغيري .. هو أن تنسى روحك يوماً ما .. وتأتي بدونها .
ثم تحتضنه .. لتخلط أضلاعها بأضلاعه ..
أو لربما هي تجعل .. روحها .. تتحسس من وجود روحه بصدره .. عندما تحتضنه .
لا يدري ..
عن أي شيء ..
هذا التاريخ .. في القصي من ذاكرته .
المرأة .. في حياته .. هي أمه !
أو بمعنى .. أشف ..
أنه أعتنق الحب .. مع المرأة في حياته .. من خلال أمه .
قبلها .. بصدق ..
وعانقها .. بصدق أكثر ..
ونام في حضنها كطفل .. دوماً ..
ومارس غرور القوة .. كرجل ٍ عظيم .. بين يديها ..
شاركته .. الفرح ..
وبكت معه .. في حزنه ..
كان ينادينها : حبيبتي ..
وكانت تجيبه : ماذا .. يا حبيبي .
الأيام .. ليست كريمة دائماً ..
تباغتنا .. بعالم ٍ آخر ..
رغم أننا .. لم نكتفي .. من العالم الأول !
هكذا اعتادت ..
وهكذا .. اكتشف .. عند بلغ الحُـلـُـم .. وعندما أنتقل لغرفة ٍ تخصه .. دون أن يشارك أمه السرير ..
في هذه الأثناء ..
بدأ النوم وحيداً .. من دون ذراع أمه .. وأنفاسهما التي يتشاركان فيهما بالمكان .
لكنّ .. أمه لم تبخل على صغيرها .. بزيارات خاطفة .. تأخذ من روحه .. وتمضي .
كانت .. إما أن .. تشير إلى خزانته .. وهي تقول : علّق روحك قبل أن تنام !
أو بعض مرة .. عندما تقول : ضع قلبك تحت مخدتك .. ثم نم .
أغصان عمره .. تتمدد رويداً رويداً ..
تكبر .. شيئاً .. فشيئاً ..
ولازالت .. رائحة النعناع " أمه " .. هي حبيبته .
وهو كل مرة ٍ يقسم .. أن رائحة النعناع .. هي أجمل امرأة في العالم .
أو لربما .. هو يقول : إنها المرأة الوحيدة في العالم .
ودائماً ما يتأكد من .. ذلك .. ويؤكد عليه .
ذات مرة ٍ ..
فاجأته .. سيارة ذات مشوار .. لتصطدم به .
لتفاجئه .. أمه .. المفاجأة الأخرى .. باتصال وصوتها يتغلغل لروحه .. عندما سألته :
- هل أنت بخير .. يا صغيري ؟
- إني بخير .. يا حبيبتي .
- قلبي يقول غير ذلك !!
- حبيبتي .. لا أستطيع الكذب .. فقلبك أصدق مني . " ثم يخبرها الحقيقة " .
ذات مرات ٍ أخرى ..
يدخل غرفته .. صامتاً .. وحزنٌ يعيث في صدره .. ألماً .
لتفاجئه .. رائحة النعناع .. بالدخول !
ثم تستلقي .. على طرف سريره معه ..
ثم تحدثه .. ويتحدثان .. صمتاً ..
صمتاً ..
صمتاً ..
لتورق .. الحياة من جديد .. في صدره .. ويكف العبث .
ثم ترحل أمه .. وهي تحمل إحساسا أنه أفاق من حزنه .. كما الإحساس الذي أتى بها ..
ويقسم بالله .. أنهم لم ينطقوا كلمة .. واحدة ..
لكن الحزن رحل عنه !!
الآن ..
شب عوده .. وأصبح ينحني للريح التي تغريه ..
الآن ..
أصبح يحس المرأة .. بصدره !
ويتساءل .. هل ثمة امرأة أخرى .. تشبه رائحة النعناع أمي ؟؟
هل ثمة ..
حديث صاحبه .. ذاك المساء .. أوغل في غرس السؤال في ذاكرته !
هل ثمة .. امرأة تشبه هذه الفاتنة .. وتسرق القلب عنوة ؟
ذاك المساء .. عندما تفارقا في المقهى .. وصاحبه يودعه بالقول ..
- إلى اللقاء .
- إلى اللقاء .. يا صاحبي .
- لحظه ! هل ستنام عندما تصل .. أم أهاتفك ؟
- أتظنني .. سأنام .
- إذاً .. لا تنم حافياً .. ولا تأخذ روحك معك في الحلم .. كي لا يسرقنه منك ! ( يقولها مازحاً ) .
في الطريق .. تمنى لو سأل صاحبه ..
من هن اللاتي .. سيسرقن قلبي ؟
وما معنى أن يأتين .. أثناء النوم !!
" ثم يستدرك صيغة السؤال ويعيده " .. من سيسرقنني في الحلم ؟
ولماذا .. أمي تقول : ضع قلبك تحت مخدتك .. وعلق روحك .. ثم نم .. دائماً .. !!؟ ..
يصل البيت ..
صوب الهاتف .. تتسارع خطاه ..
يشرع بأرقام صاحبه .. وعلى الطرف الآخر يباغت سمع صاحبه .. بالسؤال :
- ما لحلم يا صاحبي ؟
- الحلم .. الحلم .. " ثم يجيب بسرعة " .. إنه كما يقول " براكفيتش " . لمَ !؟
- ومن .. سيسرقني فيه ؟ .. عندما حذرتني ! ..
- لا أدري .. لكنهم يقولون هكذا .. دائماً ..
- إنك .. تغريني ..
- بماذا !؟
- بالبحث عن إجابة ..
........................
........................................ ( فترة صمت ) .. يفضها صاحبه .. بالسؤال :
- هل تفكر .. في أخذ قلبك معك !؟
- ربما ..
- لا تفعل .. إني أحذرك ...
- ( يضحك .. بغرور خائف ) .. لا تخف عليّ يا صاحبي .. يصبح الخير بك .
- أصبح بك .. فأنت الخير .. إلى اللقاء .
ناحية .. سريره يمضي ..
والأحداث .. بداخلة متسارعة .. تعصف بالباقي لديه من هدوء .. زارعة ً حقلاً كبيراً من الأسئلة .. التي تنتظر إجابات .. يأتيها موسم حصاد .. وربما هذه الليلة هي موسم الحصاد .. لأسئلته ..
ما لروح !؟
وما معنى .. ألا أنام وقلبي معي !؟
وربما .. أشدها ..
ما معنى الحلم !؟
11.33 ليلاً ..
لأول مرة ٍ .. يستلقي على مخدة لا يخبأ قلبه تحتها ..
لأول مرة ٍ .. يشد معطف جلده عليه .. ويزّر أزرار أضلعه على قلبه ..
استعد بيقظة ٍ .. كي لا يسرق قلبه الذي ما فتأت أمنه من صونه .. بتحذيراتها ..
يسند جسده الذي سيتسرب للحرب .. بعد قليل .. على جانبه الأيمن ..
ثم يحتضن قلبه بيده .. ويلقي عليه بعض أدعية ..
بعدها يبلل .. شفتيه بذكر ..
( بسمك ربي وضعت جنبي , وبك أرفعه , فإن أمسكت نفسي فأغفر لها وأرحمها , وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين .) ..
وينساب .. كجدول ٍ رقراق .. راجف ببطء .. من أثر شتاء .. إلى نومه ..
عينيه .. بداخل جفنيه .. تجريان في الظلمة .. بحثاً عن اللاتي سيأتين للسرقة !
يبحث عنهن دون أن يضع في مخيلته .. أي تصور لأشكال هن .. أو ماهية العطر الذي يلامس أجسادهن .. لأنه كثيراً ما فسر شخصية من أمامه من خلال عطره .
ظل مترقباً .. في الظلام ..
مترقباً ..
مترقباً ..
بحذر .. جندي يذود عن الوطن الذي يحب ..
بحذر .. يمامة تحرس فراخها .. ذات ليل موحش ..
بحذر .. فتى .. يحس أن قلبه سيسرق منه الليلة ..
وظل .. مترقباً ..
12.14 من منتصف الليل ..
يرخي معطف جلده قليلاً .. ويحل بعض أزرار الأضلاع .. كأغراء ً للسارقات بالهجوم .
مع ترقب ٍ .. لم ينضب , وحذر ٍ .. يتسكع في الدواخل ..
لكن اللاتي يسرقن .. لم يأتين !!
لم يأتين !
يتمتم بداخله .. " لم يأتين ! " ثم ينهض من مخدته .. وشعور فرح بداخله .. بأنه أكبر من أن تسرقه أخرى ..
وشعور فرح بداخله .. أنه لاشيء .. يشبه رائحة النعناع .
وشعور مغرور بداخله .. أن صاحبه لم يكتشف بعد أنه أكبر من أن يأتي أحد يليق به أن يسرقه .
ينهض من سريره .. إلى غرفة أمه ..
يفتح بابها بدفء .. ليتلصص عليها وهي تغفو على مخدتها .. أشبه بامرأة ٍ أسقطها الله من الجنة .
يغرق عينيه بصورتها .. حد الإشباع ثم يمضي إلى غرفته من جديد .
01.01 من الفجر الجديد .
يستلقي على مخدته .. ونبض ٌ شفيف يتردد صداه في صدره ..
بعدها .. يعبأ المكان بطهر أذكار النوم .. ويغمض عينيه .. ناسياً أن يضع قلبه تحت المخدة ..
ودون أن يزّر .. صدره عليه ..
نام عارياً .. من كل شيء .. كل شيء .. إلا من العشق .
نام .. كشجرة أرز عظيمة .. في أعلى المرج .. عارية من أي حصن ٍ يحميها من بغتة الريح .
نام .. كطفل لم يكترث لأي شيء .. سوى من أمنيات ٍ .. أن يأتيه ثدي أمه .. باكراً .
كما يقول " دريموند براكفيتش " :
الحلم : هو أن تفتح ذراعيك للمدى , وروحك تنظر للسماء .. مغمضاً عينيك ..
لتعانقك السماء بالمطر , وأنت عار ٍ من كل شيء إلا من العشق .
وهكذا فعل .. دون أن يدري ..
ولهذا الحلم .. أتى إليه ..
امرأة من زمن التكوين .. ترتدي الأحمر الموغل بالفتنة .. ناثرة ً في المكان عطرها الذي لم يولد إلا لجسد يشبه جسدها .. أو لربما لم يولد إلا لجسدها .. هي وحدها ..
تأتي جالسة ً على طرف غيمه .. مليئة بالخير والمطر .. تزفها الريح .. لتهبط بسلام وأمن على طرف سريره ..
تنزل منها المرأة من زمن التكوين .. كالماء .. لتبلل المكان بحضورها .. ولتسقي ذاكرة أحلامه العطشى ..
تحاذي غيمتها التي أقلتها السرير .. أو لربما السرير أصبح غيمه أخرى .. لأنه أحس في أطرافه بللاً .. وعلى جبينه بللٌ آخر .. عندما فرقت بأصابعها .. شعرات ٍ كانت تتدلى بكسل على جبينه .
أصبح المكان .. غيمه يستقلها ملاكين .. رسمها فنان يليق به ألا يرسم غيرها .. ويصبح الأعظم .
ظل محساً أن ثمة من يجاوره المكان / الغيمه ..
وتساءل " بينه وبينه , دون أن يفتح عينيه " : هل هي رائحة النعناع ,أمي ؟
أم هي من .. اللاتي ....... !!!؟
أراد أن ينهض ..
لكن خدر ٍ بدأ يدب في أطراف جسده .. مع إحساس بأن رائحتها وأنفاسها ودفق قلبها يقتربون أكثر منه ..
كمن هو في خضم الموت اللذيذ الرحيم والجميل كالعذاب ..
أنفاسها .. أكثر فأكثر .. قريبة الآن ..
وروحه تتصاعد .. مع كل اقتراب ..
صاعدةً .. من العمق .. ومجيبة على أول سؤال .. أين الروح !؟
فهو بداخله الآن يجيب :
إنها في العمق منطفئة لا تحس .. إلا بحضور الملائكة .
هاهي الإجابات .. تتهاطل ..
إنه بحضرة ملاك الآن .. ملاك ُ تشبه رائحة النعناع .
وفي غمرة الحدث .. والإجابات الهاطلة .. أنفاسها تمتزج بأنفاسه .. وروحه مستمرة في التصاعد .. لتفاجئه اللحظة .. بجنون " نفس " اللحظة ..
قبلة ..
رطبة .. أشبه بمطر استوائي عذب بريء .. موغلٌ بالروعة واللذة .. والإغراء حد الغرق .
يفز قلبه ..
ويرتجف بقوه ..
ويسأل :
- هل أنا في الحلم .. أم .. في الحلم ؟
( ولا تجيبه .. إلا بقبلة أخرى .. ووجه ٍ وضاء .. وشفتين مغموستين .. بجمر .. ينطقان صمتاً )..
ليعيد السؤال .. بصيغة أخرى ..
- هل أنت ِ قرينة .. رائحة النعناع , أمي ؟
وبصوت ٍ يشبه الغناء .. تجيبه :
- أنا ثاني امرأة .. بعد رائحة النعناع .. أنا ورقة النعناع .. إن شئت .
- لمَ أنت ِ هنا !؟ أقصد .. لم أتيتِ !؟
- لأعلمك الحب .. وأن ثمة امرأة أتعبها انتظارها .. لك حباً ..
- ولمَ لمْ .. تأت ِ سابقاً !؟
- لأنك .. لم تمارس طقوس الحلم .. بما يشفع لي بالحضور ..
أتدري ..
أنك الليلة بت .. وقلبك ينتظرني في صدرك .. " وتستدرك " .. ربما لم تعلم .. لكنك قلبك كان يعلم .
نبضهما الآن .. خفق ٌ واحد ..
وروحيهما .. تطيران .. للسماء .. معتنقات .. بأجنحتهما البيضاء ..
والغرفة مضاءة .. بقلبيهما .. كأن ثمة شمع يرتجف نوره في جدران الغرفة الكسولة ..
وبعض ٌ من جسد الريح .. يعبث بالستائر .. النائمة وقوفاً على النافذة ..
وعطرها .. يندس في جسده .. لأنه أختلط عليه الجسدان ..
ثم غناء ٌ .. لا يعلم مصدره تحديداً ! .. أو من أين تنبت أغصانه .. لتبلل المكان !!
وحكايا .. حكايا ..
وأشياءٌ .. لا تحكى علانية .. ولأن الحب لا يحكى ..
فهو يترك للذواقة .. للانسكاب خيالاً فيه ..
05.11 فجراً ..
أمه تفتح الباب .. لتوقظه لصلاته .. وثمة ابتسامة في شفتيها .. عندما وجدته يقظاً ..
لتبادره بالسؤال :
- من زارك الليلة !؟
" ولا يجيبها .. إلا بابتسامة .. يلمع في أطرافها .. بعض من البلل الذي تركته ورقة النعناع "..
ليظهر صوت أمه .. من جديد وثمة .. خبث ٌ جميل فيه ..
- لا تخف .. لقد استأذنتني .. قبل أن تأتيك ,,
فيبتسم .. وهو يعانق صدر أمه .. ويقول :
- أحبك .. يا رائحة النعناع .
- و ورقة النعناع تشاركني بك الآن .. يا صغيري ..
تنويه :
ناموا الليلة القادمة .. حفاة ..
وسيقلكم العشق .. إلى .. إلى .. !!
( لكم الحرية في اختيار الخيال والحلم .. فيما بعد .. إلى ! ... إلى ! .... ) .