غير تنفسك .. تتغير حياتك
بقلم أستاذ وليد الرجيب
يتعرض
كثير من الناس إلى ضغوط نفسية قد تسبب الكثير من المشكلات النفسية
والبدنية, وخاصة أولائك الأشخاص الذين يتسمون بطبيعة حساسة بالاستجابة
للمثيرات, وقد تكون المثيرات خارجية مثل ضغوطات العمل والمنزل والمدرسة,
والبيئة الاجتماعية والطبيعية, والأحداث بشكل عام. والواقع أن الضغوطات لا
تنتج عن المشكلات فقط, ولكنها تنتج عن كل شئ تقريباً بما فيها الأحداث
الجديدة والسعيدة مثل الزواج والإنجاب والعمل الجديد والمدرسة الجديدة
والمراحل الجديدة في حياة الإنسان, والأمور اليومية مثل أخبار التلفزيون
وما يحدث في الشارع سواء إزدحام السيارات أو الحوادث, وكذلك تسهم الأنظمة
الاجتماعية والسياسية الضاغطة في تشكيل وبناء هذه الضغوط النفسية, فألا
تشكل مراجعاتنا للدوائر الحكومية ضغطاً نفسياً, ألا تشكل غياب العدالة
والأمن وهيبة القانون والتخلف ضغوطاً, ألا تشكل كذلك سيادة الواسطة وعدم
تقدير الكفاءة ووضع الإنسان غير المناسب في المناصب المختلفة ضغطاً
نفسياً؟ وكذلك غياب الترفيه وعدم القدرة على تحقيق الذات في
مجتمعاتنا..وغيرها الكثير.
ولأن
حياة الإنسان كلية Holistic أي أن كل شئ يؤثر على كل شئ, الفكرة والشعور
والسلوك والبدن, فإن الضغوط النفسية قد تقود إلى تغير دراماتيكي مثل
المخاوف المرضية أو القلق المرضي, وأحياناً إلى عرقلة حياة الإنسان
وتدميرها, وتصبح حلقة لا تنتهي من المخاوف والأعراض النفسية والبدنية,
فالمخاوف البسيطة مثل المرتفعات والازدحام والسفر والأماكن المغلقة أو
المفتوحة, أو المرض والموت والمستقبل والمجهول, وحتى مواجهة الناس تجر
بعضها بعضاً لدرجة يصبح الخوف من الخوف نفسه, وهذا يدفع الإنسان إلى طلب
الأمان بالعزلة التي تؤدي بالتالي إلى عزلة أكبر واكتئاب, ناهيك عن
الأعراض السلوكية كاضراب النوم والأكل, والأعراض البدنية المصاحبة سواء
بسبب ارتفاع هرمون الأدرينالين بالدم مثل ضربات القلب السريعة وضيق النفس
وجفاف البلعوم وصعوبة البلع, والدوخة والرجفة وغيرها, أو آلام مثل الصداع
وآلام الرقبة والكتف والظهر والمعدة..الخ وأحياناً يلجأ الإنسان إلى وسائل
للهرب من هذه الأعراض مثل الكحول والمخدرات التي تهدأ من الأعراض لكنها
تزيد من المشكلة, أو حتى يضطر لتناول مهدئات يصفها الطبيب النفسي, وهي
صحيح أنها تساعد لكنها لا تساهم في الوعي بالمشكلة وأسبابها الدقيقة
والمختلفة عند الأشخاص, ولذا فهي لا تقتلعها من جذورها, ولكنها تهدئ
الإنسان وهذا هدف أولي وقد يدفع هذا الهدوء بالإنسان إلى النظر بعقلانية
لمشكلته, فالواقع من يضع ضغوطاً على نفسه لديه استجابة غير عقلانية
للمثيرات, ولذا يصبح مشدوداً بالمعنى البدني والعضلي, ومشوشاً وضعيف
الذاكرة بالمعنى الذهني, وهذا لا يجعله واقعياً وعقلانياً بالتعامل مع
مشكلته, فالمشوش وقليل التركيز يصعب عليه الرؤية والقرار والهدف, بينما
المسترخي أوضح في رؤيته, حكيم, واقعي عقلاني, واضح القرار والهدف. وكثير
من الناس ينتبه ويركز على عرض مثل عدم التركيز أو ضعف أداء الذاكرة أو
خفقان القلب, أو حتى الاكتئاب الخفيف, ولكنها جميعاً نتيجة للضغط النفسي,
وكلها تزول بزوال المسبب. العقل الباطن القوة الجبارة: صحيح أن الإنسان
لديه دماغ أو مخ واحد, لكن لديه عقلان اصطلح عليهما في علم النفس بالعقل
الواعي والعقل الباطن, والعقل ليس شيئاً ملموساً, ولكنه وظائف في الدماغ,
فمعنى العقل هو الضبط والتحكم, مثل العقال أو يعقل أي يربط (اعقلها
وتوكل), والعقل الواعي كوظائف موجود بالجانب الأيسر من الدماغ, أما العقل
الباطن فهو موجود بالجانب الأيمن. والعقل الباطن معني بعمليات المنطق
والانتقاد والقياس والضوابط القانونية والأخلاقية والاجتماعية في مجتمع
معين, والوعي بها, أما العقل الباطن فهو معني بجميع الأمور اللاإرادية
سواء بدنية أو نفسية وذهنية ومرتبط بالعصب اللاإرادي عند الإنسان, وكذلك
هو إرشيف الإنسان لكل خبراته التي مر بها منذ ولادته وحتى مماته, سواء ما
سمعه أو رآه أو شعر به أو أحس به أو حدث له, تظل هذه الخبرات في متحف
الذاكرة البعيدة والقريبة, وكذلك مركز الخيال والإبداع ومركز التعلم
والتحكم بالألم, ومركز القدرات البشرية بشكل عام, مصدر كل حالاتنا الذهنية
سواء الخوف أو الجبن أو الثقة أو السعادة والتعاسة..مصدر القوة والضعف عند
الإنسان, وبه نظام قناعاتنا. ولكن لا يعمل العقلان بمعزل عن بعضهما, فهما
متكاملان, ولكن يمكن أن يدخلا في صراع إذا أصبح هناك تناقض بينهما, وعادة
يكون النصر للعقل الباطن, فمعروف حسب قانون الصراع, إذا كان هناك صراع بين
المنطق والخيال فالنصر يكون للخيال, إذا كان هناك صراع بين العقل الواعي
والباطن فالنصر للباطن, ولذا دائماً من يزورني في عيادتي يقول الآتي:"أنا
أعلم أن خوفي أو ما أعاني منه وهم وغير حقيقي, لكني لا أستطيع السيطرة
عليه, فهو يحدث رغماً عني", وكثير ما ينتاب الناس غير الواعين فكرة أو
شعور بأن سبب ذلك هو قوى كبيرة وخارقة وغيبية, مثل العين والجن والسحر,
ومع اختلاف الأديان والمعتقدات تختلف التفسيرات, لكن دائماً القوى الشريرة
هي السبب, وحتى ان ذكرت هذه الأمور في الكتب المقدسة لكنها دائماً تكون
مرتبطة بقناعة الإنسان, فمن يضعف ويخاف من العين والسحر يحدث له, لكن شعور
الإنسان بالإيمان والحماية يبعد عنه انسياقه لهذه الأسباب, ولذا يزورني
أحياناً رجال دين أو أئمة مساجد لكنهم يعانون من رهبة في مواجهة المصلين
مثلاً, لأنهم بشر ومعرضين لما يتعرض له البشر.
يتعامل
العقل الباطن كاستجابات للمثيرات بارتباطات شرطية, وأول من أجرى تجارب
علمية على الارتباط الشرطي هو العالم بافلوف الروسي, الذي كان يقرع الجرس
في اللحظة التي يقدم بها الطعام للكلب, وبعد فترة من تمرين عقل الكلب على
الاستجابة المشروطة, بدأ بافلوف يقرع الجرس دون تقديم الطعام فكان يسيل
لعاب الكلب عند سماع الجرس, فعقل الكلب يتخيل الطعام عند سماع الجرس.
وهكذا يتعامل عقل الإنسان مع المثيرات, فيمكن أن تحدث استجابة بدنية أو
نفسية أو سلوكية لمجرد فكرة, فالخوف الافتراضي موجود بالذهن فقط, فأحياناً
لا يكون الخوف كبيراً في الموقف ذاته, لكن الخوف يكون في التفكير بالموقف,
مثل السفر بالطائرة, أو مواجهة ناس, وإذا لم يكن الإنسان ينوي السفر أو
مواجهة جمهور لا يشعر بهذا الخوف, فالخوف الحقيقي والقلق الحقيقي هو
بالتفكير, هو موجود في عقل الإنسان فقط. هذا القلق وهذه المخاوف التي
واحدة من أسبابها تراكم الضغوط النفسية, هو موجود بالعقل الباطن الذي يصدق
أي شئ نقتنع به, فهو بذلك يشبه (الهارد ديسك) في جهاز الكمبيوتر, يقبل أي
شئ ويصدق أي شئ بعكس العقل الواعي الذي يحلل بمنطقية وينتقد, لكن حالما
نبدأ بتكوين ملف في عقولنا الباطنة يكبر مثل كرة الثلج مع التمرين
والتكرار, فقناعتنا بخوفنا أو تعاستنا طالما نكررها تصبح عادة ذهنية تقوى
وتتأصل, ولذا فكلما أسرع الإنسان بعلاج الضغوط كلما تخلص أسرع منها, بينما
من يظل سنوات وهو يكرر ويبني هذا الملف السلبي في ذهنه عبر السنوات ولا
يعالج هذا الخلل, يصبح التخلص أصعب وأطول مدة, وأيضاً يعتمد ذلك على قوة
القناعة, ولذا حتى لو كان هناك وعي بعدم صدق المشاعر تظل القناعة تشعرنا
بالاحباط والضعف, حتى تتغير هذه القناعة, فإذا كنا مقتنعين بأن الماء
سيشفينا سنشفى, وإذا اقتنعنا بأنه سيمرضنا سنمرض بكل تأكيد. ولأن كل شئ في
حياة الإنسان هو تمرين وتكرار, سواء من الناحية البدنية أو الاجتماعية أو
النفسية, فنحن نستطيع أن نتمرن على التعاسة أو على السعادة أو القلق أو
الاسترخاء, فإذا أردنا في يوم من الأيام أن نبني عضلات أو لياقة بدنية,
لانستطيع أن نحلم بها فقط أو نتمناها فتأتينا, يجب أن نذهب إلى نادي رياضي
ونبذل جهداً عملياً ومع التكرار نحصل على ما نريد, وإذا انعزلنا اجتماعياً
يتبع
عدل سابقا من قبل أبو عبد الودود في الثلاثاء أغسطس 26, 2008 2:16 am عدل 1 مرات