[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لم تكن حياة النبي (صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام) في المدينة المنورة
حياة هانئة سعيدة وسهلة ميسرة أو آمنة مطمئنة. كان مصدر الاطمئنان الأساسي هو الإيمان
بالله عز وجل والثقة بنصر الله وفي ظهور الدين الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور
ويحقق لهم خيري الدنيا والآخرة.
في مقابل هذا كان المسلمون محاطين بالمخاطر من الداخل والخارج. في المدينة كان اليهود
الذين لا عهد لهم يتربصون بالمسلمين الدوائر ويتوقون للفرصة المواتية التي ينقضّون فيها
على النبي وأتباعه. وكانت القبائل والأعراب المحيطون بالمدينة لهم أطماعهم الخاصة في
المدينة كما لهم تحالفاتهم مع قريش التي لم تكتف بإخراج النبي (صلى الله عليه وسلم)
وصحبه من مكة إلى المدينة. بل طاردته في المدينة وألّبت عليه القبائل. وكانت الجزيرة العربية
موزعة من حيث السيادة بين الفرس في الشرق والروم في الغرب.
لذلك كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يجري التحالفات ويعقد الاتفاقات ويبرم المواثيق التي
تحقق السلام والأمن لجماعة المسلمين ولغيرهم. وعندما كان يحارب فإنما كان ذلك دفاعاً عن
الدين وعن الأرض والعرض وللتمكين للدعوة. وكان يبعث بالرسل في إرساء حكيم لدبلوماسية
الدعوة. وكان في الوقت ذاته يحرص على معرفة ما يحيط به وما يحاك له وللإسلام، وكان
الوحي يأتيه بالأخبار. ولكنه في الوقت ذاته كان يأخذ بالأسباب فكان يبعث أصحابه من
المهاجرين والأنصار ليتعرفوا الى ما يجري ويخطط له من قبائل العرب وخصوصا من جانب
قريش وحلفائها.
لم تكن حياة النبي (صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام) في المدينة المنورة
حياة هانئة سعيدة وسهلة ميسرة أو آمنة مطمئنة. كان مصدر الاطمئنان الأساسي هو الإيمان
بالله عز وجل والثقة بنصر الله وفي ظهور الدين الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور
ويحقق لهم خيري الدنيا والآخرة.
في مقابل هذا كان المسلمون محاطين بالمخاطر من الداخل والخارج. في المدينة كان اليهود
الذين لا عهد لهم يتربصون بالمسلمين الدوائر ويتوقون للفرصة المواتية التي ينقضّون فيها
على النبي وأتباعه. وكانت القبائل والأعراب المحيطون بالمدينة لهم أطماعهم الخاصة في
المدينة كما لهم تحالفاتهم مع قريش التي لم تكتف بإخراج النبي (صلى الله عليه وسلم)
وصحبه من مكة إلى المدينة. بل طاردته في المدينة وألّبت عليه القبائل. وكانت الجزيرة العربية
موزعة من حيث السيادة بين الفرس في الشرق والروم في الغرب.
لذلك كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يجري التحالفات ويعقد الاتفاقات ويبرم المواثيق التي
تحقق السلام والأمن لجماعة المسلمين ولغيرهم. وعندما كان يحارب فإنما كان ذلك دفاعاً عن
الدين وعن الأرض والعرض وللتمكين للدعوة. وكان يبعث بالرسل في إرساء حكيم لدبلوماسية
الدعوة. وكان في الوقت ذاته يحرص على معرفة ما يحيط به وما يحاك له وللإسلام، وكان
الوحي يأتيه بالأخبار. ولكنه في الوقت ذاته كان يأخذ بالأسباب فكان يبعث أصحابه من
المهاجرين والأنصار ليتعرفوا الى ما يجري ويخطط له من قبائل العرب وخصوصا من جانب
قريش وحلفائها.
غدر بني لحيان
في العام الرابع للهجرة وبعد غزوتي بدر وأحد، رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتقصى
أخبار قريش ويعرف خططها. وتبين ما نمي إليه من أخبار حول تحركاتها واستعدادها لغزو
جديد، فاختار نخبة تضم عشرة من أصحابه جعل على رأسهم عاصم بن ثابت. وكان من بينهم
خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وزودهم الرسول صلى الله عليه وسلم بنصائحه النبوية الشريفة
ودعا لهم. وانطلقوا إلى غايتهم، وذكر ابن إسحاق أنهم ستة وقد سماهم وهم: مرثد بن أبي
مرثد الغنوي وخالد بن البكير الليثي وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وخبيب بن عدي وزيد بن
الدثنة وعبد الله بن طارق رضي الله عنهم (إسماعيل بن كثير: صفوة السيرة النبوية، ج،3 ص
51).
وصل الركب إلى الرجيع وهو ماء لهذيل بين عسفان ومكة وبلغ خبرهم بني لحيان وهم أحد
أحياء هذيل فخرجوا عليهم بمائة رجل من أمهر فرسانهم ورماتهم. فراحوا يتعقبونهم ويقتفون
أثرهم. وكادوا يزيغون عنهم لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال. فتناول
بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة ثم صاح في الذين معه: إنه نوى
يثرب. فلنتتبعه حتى يدلنا عليهم. وساروا مع النوى المبثوث على الأرض حتى أبصروا على
البعد ضالتهم التي ينشدون. وأحس عاصم أمير العشرة - أو الستة - أنهم يطاردون. فدعا
أصحابه إلى صعود قمة عالية على رأس جبل، ولكن الرماة المائة لحقوا بهم واقتربوا منهم
وأحاطوا بهم وحاصروهم، فلما تهيأت الجماعة المسلمة قليلة العدد للقتال قالوا لهم: إنا والله
ما نريد قتلكم، ولكننا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألا نقتلكم.
جثة يحميها النحل
فأما مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا،
اللهم أخبر عنا نبيك. فقاتلوا وقاتل الآخرون حتى قتل هؤلاء الثلاثة “فلما قتل عاصم أرادت
هذيل أخذ رأسه ليبيعوه لسلافة بنت سعد بن سهيل، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد:
لئن قدرت على رأس عاصم لنشربن في قحفه الخمر، فمنعته الدبر (النحل)، فلما حالت بينهم
وبينه قالوا: دعوه حتى يمسي فيذهب عنه فنأخذه فبعث الله الوادي (السيل) فاحتمل عاصما
فذهب به. وكان عاصم قد نذر ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك أبدا في حياته. فمنعه الله بعد
وفاته كما امتنع في حياته. فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعته: “يحفظ الله
العبد المؤمن” (صفوة السيرة النبوية ج،3 ص 52).
وأما خبيب وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فقد ناداهم مهاجموهم أن لهم العهد والميثاق إن
هم نزلوا فنزل الثلاثة فاقترب منهم الرماة. فأطلقوا قسيهم وربطوهم بها وانطلقوا إلى مكة.
وفي الطريق استطاع عبدالله بن طارق أن ينتزع يديه من القيد ثم أخذ سيفه فرماه القوم
بالحجارة حتى قتل. وبقي خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة ليواجها الأحقاد والرغبة في الانتقام.
فأما زيد بن الدثنة فقد ابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، فبعثه مع مولى له يقال له نسطاس
إلى التنعيم خارج مكة وأخرجه من الحرم ليقتله، واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن
حرب. فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك
فنضرب عنقه وإنك في أهلك.
قال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في
أهلي.
قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا.
ثم قام نسطاس مولى صفوان بن أمية بقتل زيد بن الدثنة رضي الله عنه.
حقد وانتقام
وأما خبيب فقد اشتراه حجير بن إهاب التميمي حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن
نوفل، وكان أبو اهاب أخا الحارث بن نوفل من الأم. وكان هدف هذه الصفقة قتل خبيب مقابل
الحارث بن عامر. وكان لهذا الانتقام قصة.
فقد كان خبيب بن عدي من أوس المدينة وأنصارها. تردد على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
، وكان عذب الروح شفاف النفس وثيق الإيمان ريان الضمير، وقد وصفه حسان بن ثابت
شاعر الإسلام بقوله:
صقرا توسّط في الأنصار منصبه
سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب
ولما رفعت غزوة بدر أعلامها كان هناك جندياً باسلاً. ومقاتلاً مقداماً. وكان من بين المشركين
الذين وقعوا في طريقه إبان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عامر بن نوفل. وبعد انتهاء
المعركة وعودة البقايا المهزومة من قريش إلى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم وحفظوا
جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عدي.
فلما وصل خبيب إلى مكة أسيرا سارع بنو الحارث إلى شرائه. ونافسهم على ذلك بغية الانتقام
منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم، وأخيرا تواصوا عليه جميعا
وأخذوا يعدونه لمصير يشفي أحقادهم ليس منه وحده بل ومن جميع المسلمين (خالد محمد
خالد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ص 233 234).
وبروح التضحية والصبر والاحتساب والزهد في الدنيا والإيمان بقدر الله أسلم خبيب أمره لله.
وظل ثابت الجنان لا يخاف الموت بل يرحب بالشهادة. كان مع الله فكان الله معه. قالت ماوية
مولاة حجير بن أبي اهاب الذي اشترى خبيبا وكانت قد أسلمت: كان عندي خبيب حبس في بيتي
فلقد اطلعت عليه يوما وإن في يده قطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه. وما أعلم في أرض
الله عنبا يؤكل.
وقال ابن إسحاق: قالت ماوية: قال لي تعني خبيبا حين حضره القتل: ابعثي إليّ بحديدة أتطهر
بها للقتل. فأعطيت غلاما من الحي الموسى فقلت له: ادخل بها على هذا الرجل البيت. فوالله إن
هو إلا أن ولى الغلام بها إليه فقلت: ماذا صنعت؟ أصاب والله الرجل ثأره يقتل هذا الغلام فيكون
رجلا برجل. فلما ناوله الحديدة أخذها من يده فقال: لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك
بهذه الحديدة إليّ ثم خلى سبيله فكان أول من سن سنة التطهر قبل القتل.
وحاول المشركون أن يساوموا خبيباً على دينه وحبه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)
وكرروا معه ما فعلوه بزيد بن الدثنة. وكان جوابه هو الجواب ذاته فلما يئسوا من أن ينالوا
منه ما يريدون خرجوا به إلى التنعيم ليقتلوه فلما استعدوا لقتله قال لهم:
إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا
فقالوا: دونك فاركع
فركع ركعتين فأتمهما وأحسنهما: ثم اقبل عليهم فقال: أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت
جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة. فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل
للمسلمين (صفوة السيرة النبوية ج3 ص54).
وكان خبيب أول شهيد يصلب ثم يقتل على الصليب وحين وضعه المشركون على الصليب ردد:
اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسوله. فبلغه الغداة ما يصنع بنا ثم قال داعيا على أعداء الله اللهم
أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ثم انشد:
ولست أبالي حين أقتَل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزّع
وتبارى سفهاء مكة في ضربه بالرماح والسيوف. وأثخنوا جسده الطاهر بالجراح حتى استشهد
حتى إذا تأكدوا من موته تركوا فريقا منهم في حراسة جثمانه.
وحمل الوحي رسالة خبيب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم): “وبينما الرسول في المدينة إذ
غمره إحساس وثيق بأن أصحابه في محنة. وتراءى له جثمان احدهم معلقا. ومن فوره دعا
صلى الله عليه وسلم المقداد بن عمرو والزبير بين العوام فركبا فرسيهما ومضيا يقطعان
الأرض وثبا، وجمعهما الله بالمكان المنشود. وانزلا جثمان صاحبهما خبيب حيث كانت بقعة
طاهرة من الأرض في انتظاره لتضمه تحت ثراها الطيب ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر
خبيب. ولعل ذلك أحرى به وأجدر حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ وفي ضمير الحياة بطلا فوق
الصليب” (رجال حول الرسول ص 236 237).
..ابتغاء مرضاة الله
وقد امتدح القرآن الكريم خبيبا وصحبه في قوله عز وجل: “وَمِنَ الناسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء
مَرْضَاة اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ” (البقرة: 207) كما ذم القرآن المنافقين الذين قالوا: يا ويح
هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا. لا هم أقاموا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم. فأنزل
الله عز وجل فيهم: “وَمِنَ الناسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ
وَهُوَ أَلَد الْخِصَامِ” (البقرة: 204) وما بعدها.
وقد قال حسان بن ثابت شاعر الإسلام يهجو بني لحيان الذين غدروا بمبعوثي النبي صلى الله
عليه وسلم فاغتالوا منهم من اغتالوا وقادوا غيرهم للموت:
إن سرك الغدر صرفا لا مزاج له
فأت الرجيع فسل عن دار لحيان
قوم تواصوا بأكل الجار بينهم
فالكلب والقرد والإنسان مثلان
لو ينطق التيس يوماً قام يخطبهم
وكان ذا شرف فيهم وذا شان
أما هؤلاء الشهداء الذين امتدحهم القرآن فقد نسب لحسان قوله فيهم:
صلى الإله على الذين تتابعوا
يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا
رأس السرية مرثد وأميرهم
وأبن البكير أمامهم وخبيب
وابن طارق وابن دثنة منهم
وافاه ثم حمامه المكتوب
والعاصم المقتول عند رجيعهم
كسب المعالي إنه لكسوب
منع المقادة أن ينالوا ظهره
حتى يجالد إنه لنجيب
رضي الله عن خبيب وعن رفاقه الأبرار.