يقضي
الإنسان على الأقل ثلث حياته نائمًا، فالنوم هو عادة فطرية نقوم بها
جميعًا لنأخذ قسطًا من الراحة نريح أجسادنا وعقولنا. هذا هو مفهومنا عن
النوم، إلا أن هذا المفهوم ليس دقيقا. فللنوم فوائد أخرى أكثر أهمية من
ذلك..
وهذا ما تؤيده العديد
من الدراسات التي تُجْرَى حاليًّا على الإنسان والحيوان والتي ترى أن
النوم يلعب دورًا رئيسيًّا في عملية التعلم. ومن آخر تلك الدراسات دراسة
قام بها مجموعة من الباحثين في جامعة شيكاغو University of Chicago لإثبات
تعلم الطيور للتغريد في أثناء النوم.
عادة ما يُؤخَذ تعلم الطيور
الصغيرة للتغريد كمثال لكيفية تعلم الأطفال للحديث حيث تتعلم صغار الطيور
الغناء عن طريق سماع كبارها، ثم عن طريق المحاولة الشخصية والتحسين للوصول
لأفضل النتائج وقد أظهرت تلك الدراسة أن الطيور المغردة وهي نائمة تُردد
وتُعيد، وربما تحسن نموذج النشاط العصبي المصاحب لقيامها بالتغريد. وتوضح
الدراسة أن مخ الطائر يُعيد نفس النشاط الذي كان يقوم به والطائر مستيقظ
لتتم عملية التغريد في أثناء النوم، لكن دون أن يُصدر الطائر أي صوت.
ولإجراء تلك الدراسة تم
استخدام جهاز مصغر جدًّا لرصد وتسجيل النشاط العصبي لكل خلية من خلايا مخ
الطائر في أثناء تواجده حرًّا طليقًا ليتصرف بطبيعية، وكانت نتيجة التطابق
بين النشاط العصبي في أثناء الاستيقاظ وفي أثناء النوم مثيرة جدًّا، حيث
يعتقد الباحثون أن الطائر يحلم بالتغريد في أثناء نومه، فهو يقوم بتخزين
النموذج العصبي لعملية التغريد أو الغناء في أثناء استيقاظه، ثم يقوم
بإعادة عرضه في أثناء النوم، فيردد نفس اللحن وربما يُعدِّل بعض النغمات
لتحسينه.
فبمقارنة نشاط كل خلية
عصبية في أثناء غناء الطائر وهو مستيقظ، وإذا قام بسماع تسجيل للحنه الذي
يغرده ـ حيث يقوم الباحثون بتشغيل تسجيل لتغريد الطائرـ أيضا وهو مستيقظ،
وفي أثناء النوم غير القلق، وُجِد أن الطائر في أثناء تغريده تنطلق
النبضات العصبية خلال خلايا المخ في نموذج منفرد لكل نغمة مكونة للحن الذي
يُغنيه الطائر وينفرد به، بينما لا يكون هناك أي استجابة عصبية عند سماع
الطائر للحنه مُسجَّلاً وهو مستيقظ، أما عندما ينام ويصل إلى درجة النوم
غير القلق تبدأ النبضات العصبية في الانطلاق؛ ليعيد الطائر سماع لحنه حيث
تنطلق لتعيد النموذج اللازم لأداء لحن الطائر داخل خلايا المخ، ولكن دون
أن يُصدر الطائر أي صوت.
تعديلات في النموذج العصبي
عادة يكون هناك بعض
التعديلات البسيطة في هذا النموذج؛ حيث ينطبق النموذج العصبي المعدل أكثر
مع النموذج العصبي للحن الذي يُغرده الطائر بعد استيقاظه مرة أخرى. وقد
لوحظ أيضًا أن تلك النماذج للنشاط العصبي في أثناء نوم الطائر كان يوجد
بها في بعض الأحيان بعض الفروق وكأن الطائر يقوم بسماع مجموعة من الألحان
ذات الفروق الطفيفة؛ فأحيانا تكون أسرع من اللحن المعتاد أو أبطأ منه،
ويُعتقَد أن ذلك لتحسين لحنه ليخرجه في صباح اليوم التالي أفضل من ذي قبل،
وذلك مهم بالنسبة له؛ فهذا اللحن هو وسيلته للتعرف على وليفٍ. وكلما كان
لحنه أفضل استطاع إقناع الطرف الآخر بسهولة.
إن فهم الكيفية التي تتحول
بها الأنماط السلوكية إلى أفعال داخل خلايا المخ كانت من أكبر المشاكل
أمام أخصائيي الأعصاب ولكن ما أدهشهم أن يكون تكرار تلك النماذج ـ التي
يتم من خلالها ترجمة السلوك إلى فعل ـ في أثناء النوم هو وسيلة الكائن
للتعلم.
بالتأكيد خلايا المخ
الإنساني أكثر تعقيدًا من خلايا مخ الكائنات الأخرى. لكن رغم هذا كان هناك
بعض المحاولات لإثبات حدوث التعلم في أثناء النوم في الإنسان أيضا، وأحدث
تلك التجارب تجربة تمت في University of Liege في بلجيكا على ثمانية عشر
متطوعًا، أعمارهم تتراوح بين 18 و 25 عامًا. تم إخضاع المتطوعين لساعات
عديدة من الاختبارات لسرعة ملاحظة بعض العلامات فور ظهورها على شاشة
الكمبيوتر والقيام بالضغط على مثيل تلك العلامة على لوحة المفاتيح، وفي
أثناء ذلك كان يتم تصوير نشاط المخ لكل منهم باستخدام Pet Scans وهو جهاز
يظهر كيفية أداء المخ عن طريق مشاهدة استخدامه للجلوكوز والأكسوجين وهما
وقود خلايا المخ.
وبتقسيم المتطوعين إلى
فريقين تم السماح لأحدهما بالنوم بعد ساعات التدريب، بينما ظل الفريق
الآخر مستيقظًا، وبعد استيقاظ الفريق الذي سُمِحَ له بالنوم تم إخضاع
الفريقين لنفس الاختبارات للمرة الثانية، فإذا بالفريق الذي سُمِحَ له
بالنوم يحقق أعلى النتائج، بل وبزيادة سرعة رد الفعل وعند مشاهدة الصور
التي أُخذت للمخ في أثناء النوم خاصة في مرحلة حركة العين السريعة
والمسماة مرحلة REM من النوم وُجِدَ أن نشاط المخ واندفاع الدم يتركز في
نفس المناطق التي كان يحدث بها نشاط و يتدفق لها الدم في أثناء قيامهم
بالاختبارات، وفسر الباحثون ذلك بأن المتطوعين كانوا يقومون بتخزين ما
تعلموا و يتمرنون عليه في أثناء نومهم. بالتأكيد لم يتمكن الباحثون في
الدراسة من تحديد النموذج العصبي أو الميكانيكية التي تتم بها تلك
العملية، لكنهم وغيرهم بالتأكيد سيحاولون في المستقبل أن يناموا بشكل سليم
ليستطيعوا أن يتعلموا أكثر وأكثر.
الإنسان على الأقل ثلث حياته نائمًا، فالنوم هو عادة فطرية نقوم بها
جميعًا لنأخذ قسطًا من الراحة نريح أجسادنا وعقولنا. هذا هو مفهومنا عن
النوم، إلا أن هذا المفهوم ليس دقيقا. فللنوم فوائد أخرى أكثر أهمية من
ذلك..
وهذا ما تؤيده العديد
من الدراسات التي تُجْرَى حاليًّا على الإنسان والحيوان والتي ترى أن
النوم يلعب دورًا رئيسيًّا في عملية التعلم. ومن آخر تلك الدراسات دراسة
قام بها مجموعة من الباحثين في جامعة شيكاغو University of Chicago لإثبات
تعلم الطيور للتغريد في أثناء النوم.
عادة ما يُؤخَذ تعلم الطيور
الصغيرة للتغريد كمثال لكيفية تعلم الأطفال للحديث حيث تتعلم صغار الطيور
الغناء عن طريق سماع كبارها، ثم عن طريق المحاولة الشخصية والتحسين للوصول
لأفضل النتائج وقد أظهرت تلك الدراسة أن الطيور المغردة وهي نائمة تُردد
وتُعيد، وربما تحسن نموذج النشاط العصبي المصاحب لقيامها بالتغريد. وتوضح
الدراسة أن مخ الطائر يُعيد نفس النشاط الذي كان يقوم به والطائر مستيقظ
لتتم عملية التغريد في أثناء النوم، لكن دون أن يُصدر الطائر أي صوت.
ولإجراء تلك الدراسة تم
استخدام جهاز مصغر جدًّا لرصد وتسجيل النشاط العصبي لكل خلية من خلايا مخ
الطائر في أثناء تواجده حرًّا طليقًا ليتصرف بطبيعية، وكانت نتيجة التطابق
بين النشاط العصبي في أثناء الاستيقاظ وفي أثناء النوم مثيرة جدًّا، حيث
يعتقد الباحثون أن الطائر يحلم بالتغريد في أثناء نومه، فهو يقوم بتخزين
النموذج العصبي لعملية التغريد أو الغناء في أثناء استيقاظه، ثم يقوم
بإعادة عرضه في أثناء النوم، فيردد نفس اللحن وربما يُعدِّل بعض النغمات
لتحسينه.
فبمقارنة نشاط كل خلية
عصبية في أثناء غناء الطائر وهو مستيقظ، وإذا قام بسماع تسجيل للحنه الذي
يغرده ـ حيث يقوم الباحثون بتشغيل تسجيل لتغريد الطائرـ أيضا وهو مستيقظ،
وفي أثناء النوم غير القلق، وُجِد أن الطائر في أثناء تغريده تنطلق
النبضات العصبية خلال خلايا المخ في نموذج منفرد لكل نغمة مكونة للحن الذي
يُغنيه الطائر وينفرد به، بينما لا يكون هناك أي استجابة عصبية عند سماع
الطائر للحنه مُسجَّلاً وهو مستيقظ، أما عندما ينام ويصل إلى درجة النوم
غير القلق تبدأ النبضات العصبية في الانطلاق؛ ليعيد الطائر سماع لحنه حيث
تنطلق لتعيد النموذج اللازم لأداء لحن الطائر داخل خلايا المخ، ولكن دون
أن يُصدر الطائر أي صوت.
تعديلات في النموذج العصبي
عادة يكون هناك بعض
التعديلات البسيطة في هذا النموذج؛ حيث ينطبق النموذج العصبي المعدل أكثر
مع النموذج العصبي للحن الذي يُغرده الطائر بعد استيقاظه مرة أخرى. وقد
لوحظ أيضًا أن تلك النماذج للنشاط العصبي في أثناء نوم الطائر كان يوجد
بها في بعض الأحيان بعض الفروق وكأن الطائر يقوم بسماع مجموعة من الألحان
ذات الفروق الطفيفة؛ فأحيانا تكون أسرع من اللحن المعتاد أو أبطأ منه،
ويُعتقَد أن ذلك لتحسين لحنه ليخرجه في صباح اليوم التالي أفضل من ذي قبل،
وذلك مهم بالنسبة له؛ فهذا اللحن هو وسيلته للتعرف على وليفٍ. وكلما كان
لحنه أفضل استطاع إقناع الطرف الآخر بسهولة.
إن فهم الكيفية التي تتحول
بها الأنماط السلوكية إلى أفعال داخل خلايا المخ كانت من أكبر المشاكل
أمام أخصائيي الأعصاب ولكن ما أدهشهم أن يكون تكرار تلك النماذج ـ التي
يتم من خلالها ترجمة السلوك إلى فعل ـ في أثناء النوم هو وسيلة الكائن
للتعلم.
بالتأكيد خلايا المخ
الإنساني أكثر تعقيدًا من خلايا مخ الكائنات الأخرى. لكن رغم هذا كان هناك
بعض المحاولات لإثبات حدوث التعلم في أثناء النوم في الإنسان أيضا، وأحدث
تلك التجارب تجربة تمت في University of Liege في بلجيكا على ثمانية عشر
متطوعًا، أعمارهم تتراوح بين 18 و 25 عامًا. تم إخضاع المتطوعين لساعات
عديدة من الاختبارات لسرعة ملاحظة بعض العلامات فور ظهورها على شاشة
الكمبيوتر والقيام بالضغط على مثيل تلك العلامة على لوحة المفاتيح، وفي
أثناء ذلك كان يتم تصوير نشاط المخ لكل منهم باستخدام Pet Scans وهو جهاز
يظهر كيفية أداء المخ عن طريق مشاهدة استخدامه للجلوكوز والأكسوجين وهما
وقود خلايا المخ.
وبتقسيم المتطوعين إلى
فريقين تم السماح لأحدهما بالنوم بعد ساعات التدريب، بينما ظل الفريق
الآخر مستيقظًا، وبعد استيقاظ الفريق الذي سُمِحَ له بالنوم تم إخضاع
الفريقين لنفس الاختبارات للمرة الثانية، فإذا بالفريق الذي سُمِحَ له
بالنوم يحقق أعلى النتائج، بل وبزيادة سرعة رد الفعل وعند مشاهدة الصور
التي أُخذت للمخ في أثناء النوم خاصة في مرحلة حركة العين السريعة
والمسماة مرحلة REM من النوم وُجِدَ أن نشاط المخ واندفاع الدم يتركز في
نفس المناطق التي كان يحدث بها نشاط و يتدفق لها الدم في أثناء قيامهم
بالاختبارات، وفسر الباحثون ذلك بأن المتطوعين كانوا يقومون بتخزين ما
تعلموا و يتمرنون عليه في أثناء نومهم. بالتأكيد لم يتمكن الباحثون في
الدراسة من تحديد النموذج العصبي أو الميكانيكية التي تتم بها تلك
العملية، لكنهم وغيرهم بالتأكيد سيحاولون في المستقبل أن يناموا بشكل سليم
ليستطيعوا أن يتعلموا أكثر وأكثر.