" انظري .. كَم هو قاس ! "
" ألَمْ تَسمع قَولَها الذي يَنُم عَن سوءِ أخلاقها ؟! "
" إنَّه رَجل فَظٌّ غَليظ ، بَدأتُ أكرهه ! "
عبارَاتٌ نَفثَ فيها الشَّيطانُ مِن نارهِ ثمَّ ألقاها في أفواهِنا
لنَقذِفَها بغضبٍ عندَما يسيء لنا الآخَرون ، وقَد لا نَكتَفي بهذا القَدْر
من القَول الحَانِق ، فنرخي لألسنَتِنا العِنانَ حتى تَقسو القلوبَ
ويَكْسوها الشَّلل * ، وَتكبر الهُوَّة بيننا وبين الصَّفْح والتماس العُذر
، وتتلبدُ سماء المودَّةِ بغيومٍ سوداء مِن خصومةٍ وعداوةٍ وبَغضاء !
يَحصلُ كلّ هذا عندما نتَعامل مَع إساءةِ الآخرين بطريقة غير عِلميَّة ،
وكما قيل : العلمُ نورٌ ، وهو كذلك : نورٌ يُبدّد ظلمات القلوبَ والعقولَ ،
ويَمنَحها مِن سَناه فهماً وفقها وتُقى !
العِلمُ يُخبرُنا : " إنَّه إذا حَدثَ حَادِث مَا ، فلا بدَّ لهذا الحادِثِ
مِن سَببٍ جَعلهُ يَحدُث " .
وبمعنى آخر : يُحاولُ العِلمُ دَومًا أن يُجيبَ عَلى سؤال : ( لماذا ...؟ )
لـمـاذا حَـصَـلَ هـذا ..؟
ويتَّبع هذا المنهج في جَميع علومِه عَلى اختلافِ تخصُّصَاتها ، ولا سيّما
العلوم الإنسانيَّة .
فعندما يُساءُ لك اسأل نفسكَ : لماذا صَدَرَ هذا السلوك ـ غير المحبَّب ـ
مِن الطرفِ الآخرِ ؟
ما السَّبب الذي دَفعَه إلى فعل ما فَعلَهُ ، وإلى قَول مَا قالَهُ ؟
قد يَتَكشَّف لك السَّبَب دونَ كَبير عَناء ، وقد يَكون خفيًّا ، يُخفيه
الطرفُ الآخر في أعماقِه فيصعبُ عليكَ بداية مَعرفته !
لا تَيأس ـ إن كنتَ حَريصا عَلى استِمرار العلاقةِ ـ واجتهدْ في البَحثِ
والتَّقصي ، قمْ باستدعاءِ كل مَا في الذاكرةِ مِن مواقف وأقوال ، ثم
حَاوِلْ أن تَربطَ الأحداثَ ببعضِها ، لا تُغفِل شَيئا ، تَفكَّر في الأمر
الصَّغير قبل الكَبير ، وفي لغةِ الجسدِ قبل لغةِ اللِّسان ، واسْتعِن
بالدُّعاء الصَّادِق .. حَتمًا سَتكتشِف السَّبب .
اكتشافكَ للسّببِ سَيجعَلك أكثر قدرَة عَلى الفَصْل في عواطِفِك بين المرءِ
وسلوكِهِ ، وأكثر موضوعيَّة في الحكم عَلى الأشخاص ، فقد يَبدُر مِن
الشَّخص المُهذب ما فيهِ فَظاظَة كردَّةِ فعل فقط !
فهَل مِن العَدْل أن نَسِمَه بأنّه فظ غليظ هكذا بالمُطلقِ ؟!
كما أنَّ اكتشافكَ للأسبابِ وسيلتكَ لضبطِ السُّلوكِ وتوجيهه إنْ أنتَ
أحسنتَ التَّعامل معها .
وتذكّر في كل مرّة أن : « كلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاء ... » ، وأنّ الرَّغبة
الحقيقيَّة في إعادةِ جسور التواصل ابتغاءَ مرضاةِ الله ـ سبحانه ـ كفيلة
بأن تَجعلَ الصَّفح حلو المَذاق .
----------------------------
* والشَّلَل فـي الثوب : أَن يُصيبه سوادٌ أَو غيره فإِذا غُسِلَ لـم
يَذْهَب . يقال : ما هذا الشَّلَل ؟! - ( لسان العرب )