قول الأستاذ رمضان فوزي بديني:
الأخ الفاضل..
أهلا وسهلا بك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون القرآن الكريم لك نورا في الدنيا والآخرة.
لا شك أن القرآن ورمضان متلازمان؛ فالقرآن أنزل في شهر
رمضان، قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
هُدًى لِّلنَّاسِ و َبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}. وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة،
يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن:
منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيُشفَّعان" [رواه أحمد والحاكم بسند
صحيح]. وكان سيدنا جبريل ينزل للرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان فيدارسه
القرآن.
واعلم أخي أن للعبادة طعما وحلاوة لا يدركها إلا من
تذوقها وعاينها، وهو ما عبر عنه ابن القيم بقوله: "يُفتح له– أي للعبد-
باب حلاوة العبادة بحيث لا يكاد يشبع منها، ويجد فيها من اللذة والراحة
أضعاف ما كان يجده في لذة اللهو واللعب، ونيل الشهوات. بحيث إنه إذا دخل
في الصلاة ودَّ ألا يخرج منها. ثم يفتح له باب حلاوة استماع كلام الله؛
فلا يشبع منه، فإذا سمعه هدأ قلبه به كما يهدأ الصبي إذا أعطي ما هو شديد
المحبة له...".
وأقترح عليك هذا البرنامج القرآني لتنفيذه في رمضان:
- الاستعداد لقراءة القرآن بالوضوء وإفراغ القلب من الدنيا وهمومها.
- ختم القرآن مع نفسك مرة على الأقل خلال شهر رمضان.
- صلاة التراويح يوميا بما تيسر من القرآن.
- صلاة التهجد في العشر الأواخر.
- عمل مدارسة أو مقرأة يومية مع بعض أصحابك تتدارسون فيها بعض الآيات.
- تحديد قدر معين من القرآن لحفظه خلال شهر رمضان حسبما يفتح الله عليك.
- مراجعة ما تحفظه من القرآن لتثبيته.
- قراءة تفسير ما تحفظه من القرآن، من بعض التفاسير الميسرة، لتتعرف على معاني الآيات وأسباب نزولها.
- القراءة في مصحف به معاني الكلمات حتى يسهل التعرف على الكلمات الصعبة.
- التدبر في الآيات واستحضار معانيها، وإليك قول ابن القيم في هذا المعنى:
إذا مرّ – متدبر القرآن– بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو
مائة مرة ولو ليلة؛ فقراءة آية بتفكّر وتفهّم خير من قراءة ختمة بغير
تدبّر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن"
(مفتاح دار السعادة).
- استحضار عظمة الله عز وجل واستشعار أنه يكلمك؛ فمن أراد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة، ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن.
- استثمار أوقات المواصلات في قراءة القرآن، وكذا الوقوف في المطبخ في الاستماع إلى القرآن.
- التأدب بآداب حملة القرآن، وأوصيك هنا بالرجوع لكتيب "التبيان في آداب حملة القرآن" للإمام النووي بتحقيق الدكتور محمد الحجار.
نسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور أبصارنا،
وتضيف الأستاذة نجية الرحماني:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
نعم أخي وفقك الله لما يحبه ويرضاه، فهذا الشهر
المبارك هو شهر القرآن، تلاوة وحفظاً وتدبراً، فقد كان جبريل عليه السلام
يراجع القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في شهر رمضان، وقد دأب
صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام على الاعتكاف على القرآن في هذا الشهر
المبارك.
وبالنسبة للبرنامج اليومي الذي تطلبه، فالأولى
الاهتمام بما تم حفظه ليثبت، فعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "تعاهدوا هذا القرآن، فوالدي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا
من الإبل في عقلها" (متفق عليه). وقال عليه السلام أيضا: "إنما مثل صاحب
القرآن كمثل الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت" (متفق
عليه).
لذلك يحسن بنا- خلال هذا الشهر المبارك- أن نتعهد ما
حفظنا من القرآن الكريم، وأن نستظهره آخر الشهر، فإن نسيان القرآن من أعظم
الذنوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي
وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه عن أنس رضي الله عنه: "عرضت علي ذنوب أمتي
فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها".
أما عن أوقات التلاوة؛ فقد كان السلف يتلون القرآن في
شهر رمضان في الصلاة وغيرها؛ فكان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين في
رمضان، وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر
في كل ثلاث، وكان قتادة يختم في كل سبع دائما، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي
العشر الأواخر في كل ليلة.
وكان للشافعي ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي
حنيفة نحوه. وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل
رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
أما في وقتنا الحاضر فلكلٍ برنامجه اليومي في الحفظ
والتدبر، بما يتلاءم مع أوقات العمل والاهتمامات الأخرى، التي تخص
العائلة، وصلة الرحم إلى غير ذلك من أعمال البر التي لا ينبغي التفريط
فيها، في هذا الشهر المبارك، بدعوى الاجتهاد في العبادة، ولا ينبغي كذلك
أن ينسينا هم حفظ القرآن وتلاوته، همّ أداء حقوق العباد خاصة إذا كان مجال
الاشتغال متعلقا بأداء مصالح الناس.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه وأرشدنا وإياكم لصالح
الأعمال وخيرها، ونسأله سبحانه أن يجعلنا من أهل القرآن وخاصته، وأن
يرزقنا تلاوته على النحو الذي يرضاه. وتقبل الله منا ومنك، الصيام والقرآن
وصالح الأعمال.. وتابعنا بأخبارك.