كنـوز السيـرة للشيخ عثمان الخميس - 1
بداية حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن الحديث عن سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبعث في النفس الحياة، ويعيد لها الأمل، وذلك أن من يقرأ سيرة سيد المرسلين يقرأ الدعوة إلى الحق، والصبر فيها، ولها، ويقرأ الحلم والأخلاق المتميزة، والعبادة الكاملة، والبذل والجهاد، إنه يقرأ الحياة كلها، يقرأ الحياة التي ينبغي أن يعيشها المسلم، وسنحاول من خلال هذه الدروس التعرف على حياة سيدنا وإمامنا وقدوتنا رسولنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
اسمه ونسبه صلى الله عليه وآله وسلم
هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وفهر هذا هو قريش فكل قرشي فهري وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضري أي يرجع نسبه إلى مضر ثمّ إلى عدنان من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفي قريشاً من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخامس عبد مناف،كان على المشهور له أربعة من الولد وهم هاشم، والمطلب، وعبد شمس ونوفل فرسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرجع نسبه إلى هاشم هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم هذا اسمه عمرو ولقب بهاشم لأنه كان يهشم الخبز أي يكسره ويقطعه ويقدمه للحجاج. وهو أول من أطعم الثريد للحجاج، والثريد هو الخبز مع اللحم، وهو كذلك أول من سنّ الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف
ولذلك قال الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
سُنتْْ إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وكان لهاشم ولدان أحدهما عبد المطلب والثاني أسد وعبد المطلب لقب (بفتح اللام والقاف) كذلك واسمه شيبة الحمد وإنما لقب بعبد المطلب لأنه كان عند أخواله بني النجار في المدينة لما توفي والده وذلك أن هاشماً كان متزوجاً من بني النجار من أهل المدينة وترك ولده شيبة الحمد عند أخواله ومات هاشم وشيبة الحمد ولده عند أخواله وبعد موته ذهب المطلب أخو هاشم وعم شيبة الحمد إلى المدينة وأتى بابن أخيه ليكون عند أعمامه فلما دخل به مكة ظن أهل مكة أنه عبد اشتراه المطلب فقالوا: هذا عبد المطلب فقال لهم المطلب: لا، إنما هو ابن أخي هاشم ولكن غلب عليه ذلك اللقب وصار لا يسمى إلا بعبد المطلب.
وعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقعت في زمنه واقعتان لم يغفلهما التاريخ.
الأولى: حفر زمزم، وذلك كما هو معلوم أن الله تبارك وتعالى قد امتن على هاجر أم إسماعيل وولدها إسماعيل عليه الصلاة والسلام بأن أوجد لهما زمزم، ثم مرت السنون تلو السنين حتى خفيت معالم زمزم، وقد ذكر أن عبد المطلب كان نائماً يوماً ما فرأى في المنام أنه يؤمر بحفر زمزم ودلّ على مكانها في النوم فقام إلى المكان الذي أمر في المنام بحفره فحفره ووجد الماء، ثمّ أقام بعد ذلك سقاية الحاج.
الثانية: مجيء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة، و قصة أبرهة كما ذكرها أهل العلم هي: وذلك أن أبرهة الحبشي بنى كنيسة عظيمة بصنعاء، لم ير في زمانها مثلها، وكتب إلى النجاشي إني قد بنيت لك كنيسة لم يُبْن (بضم الياء) مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، (يعني يريد أن يضاهي بها مكة) فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من كنانة فخرج حتى دخل الكنيسة في وقت لم يره فيه أحد، فجاء وقعد وأحدث في الكنيسة، تبرز داخل هذه الكنيسة، فلما أخبر (بضم الألف) أبرهة بذلك، قال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجه العرب بمكة، لما سمع بقولك إنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا فغضب غضباً شديداً. وهنا لابد من التنبيه على نقطة مهمة: لاشك أن هذا الرجل سمع بمنكر وهو أن أبرهة أراد أن يصرف حج العرب من مكة إلى هذه الكنيسة فغضب لأجل هذا الأمر فأنكر ذلك المنكر بأن لطخ الكنيسة بالعذرة. وهذا في مقابله أوجد عند أبرهة غضباً شديداً وهو أنه عزم بعد ذلك على هدم الكعبة. وهذا الذي نص عليه أهل العلم وهو أنه لا يجوز إنكار المنكر بإيقاع منكر أعظم منه، بل لابد أن يكون إنكار المنكر بحيث أن لا يقع بعد ذلك أو على إثره منكر أعظم منه. غضب أبرهة لهذا الفعل وحلف ليسيرنّ إلى البيت حتى يهدمه، ثمّ أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت. ثمّ سار بستين ألف وأخرج معه الفيلة والعرب لا تعرف الفيلة في ذلك الوقت. فخرج بالفيلة ويذكر أن رئيس الفيلة فيل يسمونه محموداً. فلما تجهز وسار سمع العرب بذلك فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقاً عليهم، وذلك أنهم وإن كانوا على الشرك ولكنهم كانوا يعظمون بيت الله تبارك وتعالى. فكان ممن قابله رجل من أهل اليمن يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من العرب إلى حرب أبرهة ولكن أبرهة هزم ذا نفر وأصحابه وأسره معه ثمّ مرّ بالطائف فخرج إليه مسعود بن معتّب الثقفي فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد (يعنون اللات) إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه رجلاً يقال له أبو رغال يدله على الطريق، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال (بضم الراء أو بكسرها) حتى نزل بالمغمّس مكان قريب من مكة فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فبعد ذلك رجم العرب قبر أبي رغال وذلك أنهم يرون أن هذا الرجل كان رجل سوء لأنه كان دليلاً لأبرهة إلى هدم بيت الله الحرام، ولذلك يقول جرير عن الفرزدق لأنهما كانا دائماً يتهاجيان وبينهما نفرة (بضم النون) يقول جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال
قال ابن إسحاق: فلما نزل أبرهة بالمغمّس بعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود على خيل له حتى أتى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمّت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثمّ عرفوا لا طاقة لهم لقتال أبرهة، وبعث أبرهة رجلاً يقال له حناطة إلى مكة
وقال: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثمّ قل له إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فجاء حناطة وكلّم قريشاً بما قال أبرهة وخرج معه عبد المطلب لأنه سيد قريش في ذلك الزمن فلما دخل عبد المطلب على أبرهة احتار أبرهة ماذا يفعل؟
وذلك أنه أراد أن يكرم عبد المطلب،
قال: إن أجلسته معي على عرشي كان في هذا منقصة لي، وإن تركته وأنا على العرش كان في ذلك منقصة له. فنزل عن عرشه وجلس مع عبد المطلب على الأرض. فأول ما كلمه قال لعبد المطلب: ماذا تريد؟
قال: لقد أخذتم مائتين من الإبل لي فأعيدوها، فغضب أبرهة وقال: لقد ظننتك أكبر من هذا وأعظم من هذا ثمّ جئتني تسألني عن إبلك ولا تطلب مني أن أرجع عن البيت وألاّ أهدمه. فقال عبد المطلب قولة كانت في وقتها حساسة جداً وصارت بعد ذلك مضرباً للأمثال قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. فقال أبرهة: ما كان ليمتنع منّي. قال: أنت وذاك. فقال أبرهة: ردوا عليه إبله. فلما رجع عبد المطلب إلى قريش أخبرهم الخبر وقال لهم: اخرجوا من مكة فلا طاقة لكم لقتال أبرهة. وخرجوا إلى الجبال، ثمّ قام عبد المطلب وأخذ بحلقة الباب (باب الكعبة) وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده وقال عبد المطلب:
لا همّ إن العبد يمنع رحله ،،،،، فامنع رحالك
لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم ،،،،، غدواً محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا ،،،،، فأمر ما بدا لك
ثمّ أرسل عبد المطلب حلقة الباب وانطلق ومن معه إلى الجبال يتحرزون فيها ينتظرون ماذا يفعل أبرهة. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل إلى مكة برك ولم يمش معهم فقال بعضهم: ما منع الفيل؟ قالوا: لا ندري.
قال: اضربوه، فضربوا الفيل فأبى فوجهوه إلى اليمن فقام، ووجهوه إلى الشام فقام، ووجهوه إلى المشرق فقام، فلما وجهوه إلى مكة برك، ثمّ بعد ذلك فوجئوا بأن أرسل الله تبارك وتعالى عليهم الطير الأبابيل كما قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول. نعم هكذا أرسل الله تبارك وتعالى الطير الأبابيل، ورمت أبرهة ومن معه بحجارة من سجيل فأهلكهم الله تبارك وتعالى جميعاً.
وقيل إنه بقي بعضهم حتى يخبروا قومهم بما فعل الله تبارك وتعالى بهم. هذه هي الحادثة الثانية التي كانت في زمن عبد المطلب.
بداية حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن الحديث عن سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبعث في النفس الحياة، ويعيد لها الأمل، وذلك أن من يقرأ سيرة سيد المرسلين يقرأ الدعوة إلى الحق، والصبر فيها، ولها، ويقرأ الحلم والأخلاق المتميزة، والعبادة الكاملة، والبذل والجهاد، إنه يقرأ الحياة كلها، يقرأ الحياة التي ينبغي أن يعيشها المسلم، وسنحاول من خلال هذه الدروس التعرف على حياة سيدنا وإمامنا وقدوتنا رسولنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
اسمه ونسبه صلى الله عليه وآله وسلم
هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وفهر هذا هو قريش فكل قرشي فهري وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضري أي يرجع نسبه إلى مضر ثمّ إلى عدنان من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفي قريشاً من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخامس عبد مناف،كان على المشهور له أربعة من الولد وهم هاشم، والمطلب، وعبد شمس ونوفل فرسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرجع نسبه إلى هاشم هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم هذا اسمه عمرو ولقب بهاشم لأنه كان يهشم الخبز أي يكسره ويقطعه ويقدمه للحجاج. وهو أول من أطعم الثريد للحجاج، والثريد هو الخبز مع اللحم، وهو كذلك أول من سنّ الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف
ولذلك قال الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
سُنتْْ إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وكان لهاشم ولدان أحدهما عبد المطلب والثاني أسد وعبد المطلب لقب (بفتح اللام والقاف) كذلك واسمه شيبة الحمد وإنما لقب بعبد المطلب لأنه كان عند أخواله بني النجار في المدينة لما توفي والده وذلك أن هاشماً كان متزوجاً من بني النجار من أهل المدينة وترك ولده شيبة الحمد عند أخواله ومات هاشم وشيبة الحمد ولده عند أخواله وبعد موته ذهب المطلب أخو هاشم وعم شيبة الحمد إلى المدينة وأتى بابن أخيه ليكون عند أعمامه فلما دخل به مكة ظن أهل مكة أنه عبد اشتراه المطلب فقالوا: هذا عبد المطلب فقال لهم المطلب: لا، إنما هو ابن أخي هاشم ولكن غلب عليه ذلك اللقب وصار لا يسمى إلا بعبد المطلب.
وعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقعت في زمنه واقعتان لم يغفلهما التاريخ.
الأولى: حفر زمزم، وذلك كما هو معلوم أن الله تبارك وتعالى قد امتن على هاجر أم إسماعيل وولدها إسماعيل عليه الصلاة والسلام بأن أوجد لهما زمزم، ثم مرت السنون تلو السنين حتى خفيت معالم زمزم، وقد ذكر أن عبد المطلب كان نائماً يوماً ما فرأى في المنام أنه يؤمر بحفر زمزم ودلّ على مكانها في النوم فقام إلى المكان الذي أمر في المنام بحفره فحفره ووجد الماء، ثمّ أقام بعد ذلك سقاية الحاج.
الثانية: مجيء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة، و قصة أبرهة كما ذكرها أهل العلم هي: وذلك أن أبرهة الحبشي بنى كنيسة عظيمة بصنعاء، لم ير في زمانها مثلها، وكتب إلى النجاشي إني قد بنيت لك كنيسة لم يُبْن (بضم الياء) مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، (يعني يريد أن يضاهي بها مكة) فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من كنانة فخرج حتى دخل الكنيسة في وقت لم يره فيه أحد، فجاء وقعد وأحدث في الكنيسة، تبرز داخل هذه الكنيسة، فلما أخبر (بضم الألف) أبرهة بذلك، قال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجه العرب بمكة، لما سمع بقولك إنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا فغضب غضباً شديداً. وهنا لابد من التنبيه على نقطة مهمة: لاشك أن هذا الرجل سمع بمنكر وهو أن أبرهة أراد أن يصرف حج العرب من مكة إلى هذه الكنيسة فغضب لأجل هذا الأمر فأنكر ذلك المنكر بأن لطخ الكنيسة بالعذرة. وهذا في مقابله أوجد عند أبرهة غضباً شديداً وهو أنه عزم بعد ذلك على هدم الكعبة. وهذا الذي نص عليه أهل العلم وهو أنه لا يجوز إنكار المنكر بإيقاع منكر أعظم منه، بل لابد أن يكون إنكار المنكر بحيث أن لا يقع بعد ذلك أو على إثره منكر أعظم منه. غضب أبرهة لهذا الفعل وحلف ليسيرنّ إلى البيت حتى يهدمه، ثمّ أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت. ثمّ سار بستين ألف وأخرج معه الفيلة والعرب لا تعرف الفيلة في ذلك الوقت. فخرج بالفيلة ويذكر أن رئيس الفيلة فيل يسمونه محموداً. فلما تجهز وسار سمع العرب بذلك فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقاً عليهم، وذلك أنهم وإن كانوا على الشرك ولكنهم كانوا يعظمون بيت الله تبارك وتعالى. فكان ممن قابله رجل من أهل اليمن يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من العرب إلى حرب أبرهة ولكن أبرهة هزم ذا نفر وأصحابه وأسره معه ثمّ مرّ بالطائف فخرج إليه مسعود بن معتّب الثقفي فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد (يعنون اللات) إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه رجلاً يقال له أبو رغال يدله على الطريق، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال (بضم الراء أو بكسرها) حتى نزل بالمغمّس مكان قريب من مكة فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فبعد ذلك رجم العرب قبر أبي رغال وذلك أنهم يرون أن هذا الرجل كان رجل سوء لأنه كان دليلاً لأبرهة إلى هدم بيت الله الحرام، ولذلك يقول جرير عن الفرزدق لأنهما كانا دائماً يتهاجيان وبينهما نفرة (بضم النون) يقول جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال
قال ابن إسحاق: فلما نزل أبرهة بالمغمّس بعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود على خيل له حتى أتى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمّت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثمّ عرفوا لا طاقة لهم لقتال أبرهة، وبعث أبرهة رجلاً يقال له حناطة إلى مكة
وقال: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثمّ قل له إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فجاء حناطة وكلّم قريشاً بما قال أبرهة وخرج معه عبد المطلب لأنه سيد قريش في ذلك الزمن فلما دخل عبد المطلب على أبرهة احتار أبرهة ماذا يفعل؟
وذلك أنه أراد أن يكرم عبد المطلب،
قال: إن أجلسته معي على عرشي كان في هذا منقصة لي، وإن تركته وأنا على العرش كان في ذلك منقصة له. فنزل عن عرشه وجلس مع عبد المطلب على الأرض. فأول ما كلمه قال لعبد المطلب: ماذا تريد؟
قال: لقد أخذتم مائتين من الإبل لي فأعيدوها، فغضب أبرهة وقال: لقد ظننتك أكبر من هذا وأعظم من هذا ثمّ جئتني تسألني عن إبلك ولا تطلب مني أن أرجع عن البيت وألاّ أهدمه. فقال عبد المطلب قولة كانت في وقتها حساسة جداً وصارت بعد ذلك مضرباً للأمثال قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. فقال أبرهة: ما كان ليمتنع منّي. قال: أنت وذاك. فقال أبرهة: ردوا عليه إبله. فلما رجع عبد المطلب إلى قريش أخبرهم الخبر وقال لهم: اخرجوا من مكة فلا طاقة لكم لقتال أبرهة. وخرجوا إلى الجبال، ثمّ قام عبد المطلب وأخذ بحلقة الباب (باب الكعبة) وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده وقال عبد المطلب:
لا همّ إن العبد يمنع رحله ،،،،، فامنع رحالك
لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم ،،،،، غدواً محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا ،،،،، فأمر ما بدا لك
ثمّ أرسل عبد المطلب حلقة الباب وانطلق ومن معه إلى الجبال يتحرزون فيها ينتظرون ماذا يفعل أبرهة. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل إلى مكة برك ولم يمش معهم فقال بعضهم: ما منع الفيل؟ قالوا: لا ندري.
قال: اضربوه، فضربوا الفيل فأبى فوجهوه إلى اليمن فقام، ووجهوه إلى الشام فقام، ووجهوه إلى المشرق فقام، فلما وجهوه إلى مكة برك، ثمّ بعد ذلك فوجئوا بأن أرسل الله تبارك وتعالى عليهم الطير الأبابيل كما قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول. نعم هكذا أرسل الله تبارك وتعالى الطير الأبابيل، ورمت أبرهة ومن معه بحجارة من سجيل فأهلكهم الله تبارك وتعالى جميعاً.
وقيل إنه بقي بعضهم حتى يخبروا قومهم بما فعل الله تبارك وتعالى بهم. هذه هي الحادثة الثانية التي كانت في زمن عبد المطلب.