((العادة السرية بين الطب والدين))
لا يوجد نشاط جنسى مثير للجدل والنقاش وعلامات التحذير وفى ذات الوقت يمارس على مستوى كبير مثل العادة السرية , فعلى الرغم من كل الإعتبارات الدينية والإجتماعية والأخلاقية والطبية وشبه الطبية إلا أن الثابت من الإحصاءات (خاصة تلك التى أجراها ألفريد كنزى) فإن تقريبا كل الرجال وثلاثة أرباع النساء قد مارسوا تلك العادة فى فترة من فترات حياتهم , وبعضهم استمر يمارسها بقية حياته فى حين توقف الآخرون . وقد تمت بعض الدراسات الأحدث فى بعض المجتمعات الغربية لقراءة الظاهرة إحصائيا فوجد أن 88% فى سن الخامسة عشرة يمارسون العادة السرية (الإستمناء) , وأن هذه النسبة تقل مع التقدم فى العمر . ووجد أيضا أن نصف غير المتزوجين من الرجال والنساء يمارسونها حتى سن الخمسين وما بعدها , وقد يستمر الرجل فى ممارستها حتى مراحل متأخرة من عمره. ولا توجد – حسب علمى – دراسات منضبطة فى المجتمعات العربية والإسلامية توضح لنا نسبة من يمارسون ذلك من الرجال والنساء , وهناك صعوبة فى مثل هذه الدراسات حيث تؤدى الوصمة الإجتماعية والموقف الأخلاقى والدينى إلى ميل الناس لإخفاء هذا الأمر , وبذلك تصبح النتائج غير عاكسة للحقيقة , وهذا مما يجعل الباحثين فى العلوم النفسية عازفين عن القيام بدراسات فى مثل هذه المسائل , ولكن الملاحظات الطبية والحياتية اليومية تؤكد انتشار هذا الأمر بشكل واسع خاصة لدى الشباب الذى يعيش أزمة التعرض للمغريات ليل نهار على الفضائيات وفى الإنترنت والشارع فى الوقت الذى لا تتاح له فرصة الزواج – إن أتيحت – إلا فى وقت متأخر من عمره , ومن هنا كانت أهمية دراسة هذا الموضوع برؤى متعددة ومحايدة .
التعريف :
واللفظ الأكثر شيوعا فى العصر الحالى هو العادة السرية أما فى العصور السابقة فقد كانت تستخدم كلمات أخرى للتعبير عن هذا الفعل , وفى اللغة العربية يسمى "استمناءا" عند الذكور و"تبظرا" عند الإناث , وهو يعنى الدلك بقصد للأعضاء التناسلية مع تخيلات جنسية أو بدونها للوصول إلى درجة الإنزال (القذف) . وفى هذه الدراسة قد نستخدم مصطلح العادة السرية أو الإستمناء كمرادفين للدلالة على نفس الفعل .
معركة العادة السرية:
بسبب تضارب الآراء الطبية والدينية يدخل الكثير من المراهقين والشباب فى صراع مرير ومؤلم مع العادة السرية فهم يقعون تحت ضغط وإلحاح الغريزة الجنسية وفى نفس الوقت لا يجدون منصرفا طبيعيا مشروعا لها فيلجأون للعادة السرية وربما ينغمسون فيها , ثم تطاردهم أفكار بأن ما فعلوه يؤدى إلى ضعفهم العام وهزالهم واصفرار وجوههم وحب الشباب المنتشر لديهم , والدمامل التى تصيبهم , وضعف بصرهم , والرعشة فى أطرافهم , وقلة تركيزهم وتوهانهم وشرودهم . ثم يزداد الأمر صعوبة ويزداد الضغط على أعصابهم حين يسمعون أن الإستمناء حرام , هنا تثور مشاعر الذنب وربما تستمر لسنوات , وتحدث حالة من ضعف تقدير الذات والإحساس بالدونية والقذارة والضعف والهوان .
وقد كان بعض علماء النفس يعتقدون أن حالات النهك العصبى (الشعور بالإرهاق والتعب والضعف ) قد يسببها إدمان العادة السرية . وقد ثبت بعد ذلك من الأبحاث العلمية أن تلك الحالة من الإرهاق والتعب يكمن وراءها مشاعر الخوف والذنب والصراع المرير مع الرغبة والعجز عن تصريفها أو التسامى بها , كل هذا يشكل استنزافا لقوى الشخص . ونظرا لاعتياد الشخص على الإستمناء واعتقاده بأنه مرفوض دينيا واجتماعيا وطبيا ومع ذلك يمارسه , فإن ذلك يؤدى إلى حالة من الإذدواجية حيث يظهر أمام المجتمع فى صورة الشخص المهذب المطيع , وحين يخلو إلى نفسه يفعل عكس هذا تماما , وهنا تترسب فى أعماقه فكرة أنه منافق أو مخادع أو جبان , وترتبط لديه مشاعر اللذة (أى لذة ) بالشعور بالإثم والعار .
الموقف الطبى :
وهذا الموقف تعكسه المعلومات المتوفرة فى المراجع العلمية , ونحاول أن نوجزه فيما يلى :
تعتبر العادة السرية تجربة أولية (بروفة) للعلاقة الجنسية , وهى نوع من الممارسة السرية الذاتية قبل الخروج بالممارسة إلى العلاقة الثنائية التى يوجد فيها طرف آخر . وقد يعتقد البعض خطا أن العادة تبدأ ممارستها بعد البلوغ , وهذا غير صحيح فمن المعروف أن محاولات الإثارة الذاتية شائعة ليس فقط فى سن الطفولة بل حتى فى سن الرضاعة , حيث يقوم الطفل بملامسة أعضائه التناسلية فيستشعر أحاسيس معينة نظرا لوجود أعضاء حسية جنسية فى هذه المناطق فيشجعه ذلك على معاودة هذا الفعل ,وبعضهم ينغمس فى ممارستها من وقت لآخر إلى درجة الإرهاق مما يؤدى إلى إزعاج الأهل وشفقتهم على الطفل أو الطفلة . وهذا يبدأ كنوع من حب الإستطلاع , فكما يتعرف الطفل على أصابعه وفمه يفعل نفس الشئ مع أعضائه التناسلية , ولكن ملامسة الأعضاء التناسلية يعطى قدرا أكبر من الأحاسيس السارة للطفل لذلك يعاود ملا مستها ويصبح لديه اهتماما طبيعيا بهذه الأعضاء وبما يتصل بها من أحاسيس , وقد تحاول الأم كف الطفل (أو الطفلة) عن هذا الفعل فيتوجه انتباهه (أو انتباهها) أكثر تجاه هذه الأعضاء المثيرة والمرفوضة فى ذات الوقت , وهذا ربما يثبت العادة أكثر وأكثر . وبينت الدراسات أن الأطفال يبدأون فى مداعبة أعضائهم التناسلية فى سن 15-19 شهرا من عمرهم . ولا يتوقف اهتمام الطفل على أعضائه التناسلية فقط وإنما يمتد اهتمامه إلى أعضاء الآخرين (كنوع من حب الإستطلاع) مثل الأبوين أو الأطفال الآخرين أو حتى الحيوانات . ومن هنا تبدأ محاولات الإستعراض والإستكشاف لتلك الأعضاء بين الأطفال وبعضهم , وقد يتوقف ذلك عند المشاهدة وقد يتعداه إلى الملامسة , وهى سلوكيات تعتبر طبيعية بشرط عدم الإستغراق والتمادى فيها , أى أنها تكون سلوكيات عابرة فى حياة الطفل يتجاوزها مع نموه النفسى والإجتماعى ويكتسب القدرة على الضبط السلوكى والإجتماعى فيعرف ما يجب ومالا يجب بالقدر الذى يناسب مراحل نموه وتطوره . ولكى يحدث ذلك فمن الأفضل أن لا تحاط هذه الأشياء الإستكشافية بمشاعر ذنب شديدة أو بتحذيرات مخيفة أو بعقوبات قاسية لأن كل ذلك من شأنه أن يحدث تثبيتا لهذا السلوك , ويشعل الرغبة أكثر وأكثر فى مزيد من حب الإستطلاع لهذه الأشياء اللذيذة والممنوعة فى آن واحد لدى الطفل .
ومع بداية البلوغ وزيادة نشاط الهورمونات الجنسية , تشتعل الرغبة بشكل كبير وتزيد معدلات ممارسة العادة السرية لدى المراهقين خاصة أنه ليست لديهم وسيلة أخرى لتفريغ هذه الطاقة وليست لديهم مهارات كافية للتعامل معها بشكل إيجابى , ويزيد هذا الأمر لدى المراهق المنطوى الهادئ الذى يفتقد للعلاقات الإجتماعية وليست لديه اهتمامات ثقافية أو رياضية مشبعة لأن طاقته فى هذه الحالة تتوجه أغلبها فى اتجاه العادة السرية . وفى هذه المرحلة من العمر تحدث الرغبة الجنسية ضغطا هائلا على المراهق , فهو قادر على الممارسة الجنسية ولكن القيود والضوابط الإجتماعية تمنعه من ذلك , وهنا يشعر بتوتر شديد ويبحث عن مسار آمن يخفف به هذا الضغط , فيجد أمامه العادة السرية والتى تشعره بهويته الجنسية وفى ذات الوقت لا تعرضه لمشاكل اجتماعية . ومن المعروف أن الذكور يمارسون العادة السرية بشكل أكثر من الإناث ويصلون فيها إلى درجة الإرجاز (القذف والنشوة) . وهناك فرق مهم بين ممارسة العادة السرية فى الطفولة وممارستها فى المراهقة وهو وجود الخيالات الجنسية فى فترة المراهقة , تلك الخيالات التى تلعب دورا فى تحديد الهوية الجنسية فيما بعد , فإذا كانت الخيالات المصاحبة للمارسة غيرية (أى موجهة للجنس الآخر ) تأكدت الهوية الجنسية تجاه الجنس الآخر , أما إذا كانت تجاه نفس الجنس فإن الهوية الجنسية المثلية تتأكد مع تكرار الممارسة مع هذه الخيالات . وتمتد ممارسة العادة السرية فى سن الشباب إلى أن تستبدل بالممارسة الطبيعية مع الزواج , وهناك بعض الناس يستمرون فى ممارستها بعد الزواج فى فترات تعذر الممارسة الطبيعية كالبعد عن الزوجة , أو عدم الرضا بها , أو وجود عائق مثل الحمل أو الولادة أو مرض الزوجة أو الزوج .... الخ . وفى نسبة قليلة من الأزواج قد تكون العادة السرية بديلا مفضلا عن الممارسة الجنسية الطبيعية حتى فى حالة إتاحة الأخيرة ويكون هذا نوع من التثبيت على الإثارة الجنسية الذاتية , وهنا تحدث مشاكل زوجية كثيرة نظرا لاكتفاء الزوج بالإشباع الذاتى وانعزاله عن زوجته . وقد بيّن "كينزى" (الباحث الشهير فى السلوك الجنسى) أن غالبية النساء يفضلن التنبيه البظرى أثناء ممارسة الإستمناء , وأكد "ماستر وجونسون" (وهما أيضا من أشهر الباحثين فى السلوك الجنسى) أنهن (أى النساء) يفضلن مداعبة عنق البظر وليس رأسه حيث أن الأخير يكون شديد الحساسية للإستثارة الزائدة . أما الذكور فيمارسونها عن طريق مداعبة عنق القضيب ورأسه بشئ من العنف أحيانا . وهناك طرق أخرى للمارسة لدى الجنسين حسب طبيعة ومزاج كل شخص وبعض هذه الطرق قد تحمل مخاطر للأعضاء الجنسية خاصة فى الفتيات كأن تحاول الفتاة إدخال جسم غريب فى العضو التناسلى مما يؤدى إلى فض غشاء البكارة , أو حدوث تقرحات أو التهابات فى هذه الأعضاء .
وعلى الرغم من بعض الأقوال التى تشير إلى أن العادة السرية تؤدى إلى المرض النفسى أو إلى ضعف القدرة الجنسية فإنه لا يوجد دليل علمى على ذلك , ويبدو أن هذه الأقوال مرتبطة أكثر بالتحريم الأخلاقى أو الإجتماعى ,
أما من الناحية الطبية فإن العادة السرية تصبح عرضا مرضيا فقط فى ثلاث حالات :
1 – حين تصبح قهرية , بمعنى أن الشخص لا يستطيع التحكم فيها وينغمس فيها لأوقات طويلة حتى وهو غير مستمتع بها .
2 – حين يسرف فيها إلى درجة كبيرة , فالإسراف فى أى شئ يعتبر اضطرابا يخرج عن إطار الصحة التى تتطلب الإعتدال , والإسراف هنا يؤدى إلى حالة من الإرهاق والتشوش والعصبية , ويستهلك طاقة الإنسان التى كان يجب أن توظف فى أنشطة إيجابية .
3 – حين تصبح بديلا للمارسة الجنسية الطبيعية فيكتفى بها الشخص وينصرف عن الزواج أوعن الزوجة .
ونظرا لاأن العادة السرية تمارس على نطاق واسع فى كل الثقافات لذا يرى الباحثون أنها مرحلة فى النمو النفسى-الجنسى , وأنها فى فترات معينة تكون نشاطا تكيفيا لحين توافر الممارسة الطبيعية .
كان هذا هو الرأى الطبى والذى ننقله عن عدة مصادر أهمها :
Synopsis of Psychiatry , By Sadock ,B and Sadock , V , vol 2 , 2004
وهو المرجع الأساس فى الطب النفسى فى أكثر دول العالم , وقد يختلف البعض أو يتفقون مع بعض أو كل ما ورد فيه , ولكنه يبقى رؤية طبية قائمة على الملاحظة العلمية والدراسات الإحصائية , وكعادة العلم فهو قابل للمراجعة والتعديل مع توالى الدراسات والأبحاث .
حكم الشرع فى العادة السرية (الإستمناء) :
حسب علمنا وبعد محاولات بحث وتقصى عديدة لا يوجد حديث صحيح حول موضوع الإستمناء (العادة السرية) , وكل ما ورد من أحاديث عنها إما ضعيف أو موضوع , مثل " ناكح كفيه ملعون" . وهذا يستدعى وقفة وتأملا , فعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا إلا وضّحه وتحدث فيه إلا أنه لم يتحدث عن هذا الأمر وسكت عنه مع أنه منتشر بين الناس وخاصة الشباب فى ذلك العصر وفى كل العصور , ولا يتصور أن يسكت الرسول عن أمر واسع الإنتشار كهذا الأمر نسيانا , وهذا يجعلنا نتعامل مع هذا الأمر على أنه من المسكوت عنه رحمة بالناس وتقديرا لضعفهم واحتياجاتهم . أما على مستوى القرآن الكريم فالله تعالى يقول فى سورة المعارج : "والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " ( المعارج 29-31 ) . ووردت آيات ثلاث بنفس النص فى سورة المؤمنون : " والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) (المؤمنون 5-7) .
يقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات من سورة "المؤمنون" : " أى والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنى ولواط , لا يقربون سوى أزواجهم التى أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السرارى , ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ولهذا قال " فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك" أى غير الأزواج والإماء "فأولئك هم العادون" أى المعتدون . وقد استدل الإمام الشافعى رحمه الله ومن وافقه على تحريم الإستمناء باليد بهذه الآية الكريمة "والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم ألأو ما ملكت أيمانهم " قال فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين , وقد قال الله تعالى "فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" , وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفه فى جزئه المشهور حيث قال : حدثنى على بن ثابت الجزرى عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين ويدخلهم النار فى أول الداخلين إلا أن يتوبوا ومن تاب تاب الله عليه : الناكح يده , والفاعل والمفعول به , ومدمن الخمر , والضارب والديه حتى يستغيثا , والمؤذى جيرانه حتى يلعنوه , والناكح حليلة جاره " , هذا حديث غريب وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته والله أعلم (ابن كثير , تفسير القرآن العظيم , الجزء الثالث , دار المعرفة , بيروت , صفحة 249, 250 ) .
وقد اختلف العلماء حول المقصود من قوله تعالى " ما وراء ذلك " كالتالى :
* الشافعية والمالكية : رأو أن العادة السرية ( الإستمناء ) تدخل فى " ما وراء ذلك " وبالتالى فإن من يرتكبها يكون من " العادون " , وبالتالى فهى حرام . وهذا الحكم يجعل العادة السرية فى مقام الزنا , ولم يقل بذلك أحد , والقول بالتحريم هنا لا يستند إلى دليل صريح .
* الحنفية : رأوا أن " ما وراء ذلك " يقصد بها الزنا فقط , وبالتالى فإن العادة السرية مكروهة , وإن ممارستها تنتقل من الكراهة إلى الإباحة بثلاثة شروط :
1- أن يلجأ اليها الشخص خشية الوقوع فى الفاحشة
2- أن من يقوم بها يكون غير متزوج
3- أن يمارسها لتصريف الشهوة إذا غلبته وليس لإثارة الشهوة الكامنة
ويقول الشيخ سيد سابق عن احكم الإستمناء ( العادة السرية ) فى كتابه "فقه السنة" ( المجلد الثانى الطبعة الثامنة , 1407ه-1987م , دار الكتاب العربى , بيروت , صفحة 388-390 ) :
" إستمناء الرجل بيده مما يتنافى مع ما ينبغى أن يكون عليه الإنسان من الأدب وحسن الخلق , وقد اختلف الفقهاء فى حكمه : فمنهم من رأى أنه حرام مطلقا , ومنهم من رأى أنه حرام فى بعض الحالات وواجب فى بعضها الآخر , ومنهم من ذهب إلى القول بكراهته . أما الذين ذهبوا إلى تحريمه فهم المالكية والشافعية والزيدية , وحجتهم فى التحريم أن الله سبحانه أمر بحفظ الفروج فى كل الحالات , إلا بالنسبة للزوجة وملك اليمين , فإذا تجاوز المرء هاتين الحالتين واستمنى كان من العادين المتجاوزين ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم , يقول الله سبحانه : " والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " ( المعارج 29-31 )
وأما الذين ذهبوا إلى التحريم فى بعض الحالات والوجوب فى بعضها الآخر فهم الأحناف , فقد قالوا : إنه يجب الإستمناء إذا خيف الوقوع فى الزنا بدونه ,جريا على قاعدة : ارتكاب أخف الضررين . وقالوا: إنه يحرم إذا كان لاستجلاب الشهوة وإثارتها . وقالوا : إنه لا بأس به إذا غلبت الشهوة , ولم يكن عنده زوجة أو أمة واستمنى بقصد تسكينها .
معدلات وإشكاليات :
لا يوجد نشاط جنسى مثير للجدل والنقاش وعلامات التحذير وفى ذات الوقت يمارس على مستوى كبير مثل العادة السرية , فعلى الرغم من كل الإعتبارات الدينية والإجتماعية والأخلاقية والطبية وشبه الطبية إلا أن الثابت من الإحصاءات (خاصة تلك التى أجراها ألفريد كنزى) فإن تقريبا كل الرجال وثلاثة أرباع النساء قد مارسوا تلك العادة فى فترة من فترات حياتهم , وبعضهم استمر يمارسها بقية حياته فى حين توقف الآخرون . وقد تمت بعض الدراسات الأحدث فى بعض المجتمعات الغربية لقراءة الظاهرة إحصائيا فوجد أن 88% فى سن الخامسة عشرة يمارسون العادة السرية (الإستمناء) , وأن هذه النسبة تقل مع التقدم فى العمر . ووجد أيضا أن نصف غير المتزوجين من الرجال والنساء يمارسونها حتى سن الخمسين وما بعدها , وقد يستمر الرجل فى ممارستها حتى مراحل متأخرة من عمره. ولا توجد – حسب علمى – دراسات منضبطة فى المجتمعات العربية والإسلامية توضح لنا نسبة من يمارسون ذلك من الرجال والنساء , وهناك صعوبة فى مثل هذه الدراسات حيث تؤدى الوصمة الإجتماعية والموقف الأخلاقى والدينى إلى ميل الناس لإخفاء هذا الأمر , وبذلك تصبح النتائج غير عاكسة للحقيقة , وهذا مما يجعل الباحثين فى العلوم النفسية عازفين عن القيام بدراسات فى مثل هذه المسائل , ولكن الملاحظات الطبية والحياتية اليومية تؤكد انتشار هذا الأمر بشكل واسع خاصة لدى الشباب الذى يعيش أزمة التعرض للمغريات ليل نهار على الفضائيات وفى الإنترنت والشارع فى الوقت الذى لا تتاح له فرصة الزواج – إن أتيحت – إلا فى وقت متأخر من عمره , ومن هنا كانت أهمية دراسة هذا الموضوع برؤى متعددة ومحايدة .
التعريف :
واللفظ الأكثر شيوعا فى العصر الحالى هو العادة السرية أما فى العصور السابقة فقد كانت تستخدم كلمات أخرى للتعبير عن هذا الفعل , وفى اللغة العربية يسمى "استمناءا" عند الذكور و"تبظرا" عند الإناث , وهو يعنى الدلك بقصد للأعضاء التناسلية مع تخيلات جنسية أو بدونها للوصول إلى درجة الإنزال (القذف) . وفى هذه الدراسة قد نستخدم مصطلح العادة السرية أو الإستمناء كمرادفين للدلالة على نفس الفعل .
معركة العادة السرية:
بسبب تضارب الآراء الطبية والدينية يدخل الكثير من المراهقين والشباب فى صراع مرير ومؤلم مع العادة السرية فهم يقعون تحت ضغط وإلحاح الغريزة الجنسية وفى نفس الوقت لا يجدون منصرفا طبيعيا مشروعا لها فيلجأون للعادة السرية وربما ينغمسون فيها , ثم تطاردهم أفكار بأن ما فعلوه يؤدى إلى ضعفهم العام وهزالهم واصفرار وجوههم وحب الشباب المنتشر لديهم , والدمامل التى تصيبهم , وضعف بصرهم , والرعشة فى أطرافهم , وقلة تركيزهم وتوهانهم وشرودهم . ثم يزداد الأمر صعوبة ويزداد الضغط على أعصابهم حين يسمعون أن الإستمناء حرام , هنا تثور مشاعر الذنب وربما تستمر لسنوات , وتحدث حالة من ضعف تقدير الذات والإحساس بالدونية والقذارة والضعف والهوان .
وقد كان بعض علماء النفس يعتقدون أن حالات النهك العصبى (الشعور بالإرهاق والتعب والضعف ) قد يسببها إدمان العادة السرية . وقد ثبت بعد ذلك من الأبحاث العلمية أن تلك الحالة من الإرهاق والتعب يكمن وراءها مشاعر الخوف والذنب والصراع المرير مع الرغبة والعجز عن تصريفها أو التسامى بها , كل هذا يشكل استنزافا لقوى الشخص . ونظرا لاعتياد الشخص على الإستمناء واعتقاده بأنه مرفوض دينيا واجتماعيا وطبيا ومع ذلك يمارسه , فإن ذلك يؤدى إلى حالة من الإذدواجية حيث يظهر أمام المجتمع فى صورة الشخص المهذب المطيع , وحين يخلو إلى نفسه يفعل عكس هذا تماما , وهنا تترسب فى أعماقه فكرة أنه منافق أو مخادع أو جبان , وترتبط لديه مشاعر اللذة (أى لذة ) بالشعور بالإثم والعار .
الموقف الطبى :
وهذا الموقف تعكسه المعلومات المتوفرة فى المراجع العلمية , ونحاول أن نوجزه فيما يلى :
تعتبر العادة السرية تجربة أولية (بروفة) للعلاقة الجنسية , وهى نوع من الممارسة السرية الذاتية قبل الخروج بالممارسة إلى العلاقة الثنائية التى يوجد فيها طرف آخر . وقد يعتقد البعض خطا أن العادة تبدأ ممارستها بعد البلوغ , وهذا غير صحيح فمن المعروف أن محاولات الإثارة الذاتية شائعة ليس فقط فى سن الطفولة بل حتى فى سن الرضاعة , حيث يقوم الطفل بملامسة أعضائه التناسلية فيستشعر أحاسيس معينة نظرا لوجود أعضاء حسية جنسية فى هذه المناطق فيشجعه ذلك على معاودة هذا الفعل ,وبعضهم ينغمس فى ممارستها من وقت لآخر إلى درجة الإرهاق مما يؤدى إلى إزعاج الأهل وشفقتهم على الطفل أو الطفلة . وهذا يبدأ كنوع من حب الإستطلاع , فكما يتعرف الطفل على أصابعه وفمه يفعل نفس الشئ مع أعضائه التناسلية , ولكن ملامسة الأعضاء التناسلية يعطى قدرا أكبر من الأحاسيس السارة للطفل لذلك يعاود ملا مستها ويصبح لديه اهتماما طبيعيا بهذه الأعضاء وبما يتصل بها من أحاسيس , وقد تحاول الأم كف الطفل (أو الطفلة) عن هذا الفعل فيتوجه انتباهه (أو انتباهها) أكثر تجاه هذه الأعضاء المثيرة والمرفوضة فى ذات الوقت , وهذا ربما يثبت العادة أكثر وأكثر . وبينت الدراسات أن الأطفال يبدأون فى مداعبة أعضائهم التناسلية فى سن 15-19 شهرا من عمرهم . ولا يتوقف اهتمام الطفل على أعضائه التناسلية فقط وإنما يمتد اهتمامه إلى أعضاء الآخرين (كنوع من حب الإستطلاع) مثل الأبوين أو الأطفال الآخرين أو حتى الحيوانات . ومن هنا تبدأ محاولات الإستعراض والإستكشاف لتلك الأعضاء بين الأطفال وبعضهم , وقد يتوقف ذلك عند المشاهدة وقد يتعداه إلى الملامسة , وهى سلوكيات تعتبر طبيعية بشرط عدم الإستغراق والتمادى فيها , أى أنها تكون سلوكيات عابرة فى حياة الطفل يتجاوزها مع نموه النفسى والإجتماعى ويكتسب القدرة على الضبط السلوكى والإجتماعى فيعرف ما يجب ومالا يجب بالقدر الذى يناسب مراحل نموه وتطوره . ولكى يحدث ذلك فمن الأفضل أن لا تحاط هذه الأشياء الإستكشافية بمشاعر ذنب شديدة أو بتحذيرات مخيفة أو بعقوبات قاسية لأن كل ذلك من شأنه أن يحدث تثبيتا لهذا السلوك , ويشعل الرغبة أكثر وأكثر فى مزيد من حب الإستطلاع لهذه الأشياء اللذيذة والممنوعة فى آن واحد لدى الطفل .
ومع بداية البلوغ وزيادة نشاط الهورمونات الجنسية , تشتعل الرغبة بشكل كبير وتزيد معدلات ممارسة العادة السرية لدى المراهقين خاصة أنه ليست لديهم وسيلة أخرى لتفريغ هذه الطاقة وليست لديهم مهارات كافية للتعامل معها بشكل إيجابى , ويزيد هذا الأمر لدى المراهق المنطوى الهادئ الذى يفتقد للعلاقات الإجتماعية وليست لديه اهتمامات ثقافية أو رياضية مشبعة لأن طاقته فى هذه الحالة تتوجه أغلبها فى اتجاه العادة السرية . وفى هذه المرحلة من العمر تحدث الرغبة الجنسية ضغطا هائلا على المراهق , فهو قادر على الممارسة الجنسية ولكن القيود والضوابط الإجتماعية تمنعه من ذلك , وهنا يشعر بتوتر شديد ويبحث عن مسار آمن يخفف به هذا الضغط , فيجد أمامه العادة السرية والتى تشعره بهويته الجنسية وفى ذات الوقت لا تعرضه لمشاكل اجتماعية . ومن المعروف أن الذكور يمارسون العادة السرية بشكل أكثر من الإناث ويصلون فيها إلى درجة الإرجاز (القذف والنشوة) . وهناك فرق مهم بين ممارسة العادة السرية فى الطفولة وممارستها فى المراهقة وهو وجود الخيالات الجنسية فى فترة المراهقة , تلك الخيالات التى تلعب دورا فى تحديد الهوية الجنسية فيما بعد , فإذا كانت الخيالات المصاحبة للمارسة غيرية (أى موجهة للجنس الآخر ) تأكدت الهوية الجنسية تجاه الجنس الآخر , أما إذا كانت تجاه نفس الجنس فإن الهوية الجنسية المثلية تتأكد مع تكرار الممارسة مع هذه الخيالات . وتمتد ممارسة العادة السرية فى سن الشباب إلى أن تستبدل بالممارسة الطبيعية مع الزواج , وهناك بعض الناس يستمرون فى ممارستها بعد الزواج فى فترات تعذر الممارسة الطبيعية كالبعد عن الزوجة , أو عدم الرضا بها , أو وجود عائق مثل الحمل أو الولادة أو مرض الزوجة أو الزوج .... الخ . وفى نسبة قليلة من الأزواج قد تكون العادة السرية بديلا مفضلا عن الممارسة الجنسية الطبيعية حتى فى حالة إتاحة الأخيرة ويكون هذا نوع من التثبيت على الإثارة الجنسية الذاتية , وهنا تحدث مشاكل زوجية كثيرة نظرا لاكتفاء الزوج بالإشباع الذاتى وانعزاله عن زوجته . وقد بيّن "كينزى" (الباحث الشهير فى السلوك الجنسى) أن غالبية النساء يفضلن التنبيه البظرى أثناء ممارسة الإستمناء , وأكد "ماستر وجونسون" (وهما أيضا من أشهر الباحثين فى السلوك الجنسى) أنهن (أى النساء) يفضلن مداعبة عنق البظر وليس رأسه حيث أن الأخير يكون شديد الحساسية للإستثارة الزائدة . أما الذكور فيمارسونها عن طريق مداعبة عنق القضيب ورأسه بشئ من العنف أحيانا . وهناك طرق أخرى للمارسة لدى الجنسين حسب طبيعة ومزاج كل شخص وبعض هذه الطرق قد تحمل مخاطر للأعضاء الجنسية خاصة فى الفتيات كأن تحاول الفتاة إدخال جسم غريب فى العضو التناسلى مما يؤدى إلى فض غشاء البكارة , أو حدوث تقرحات أو التهابات فى هذه الأعضاء .
وعلى الرغم من بعض الأقوال التى تشير إلى أن العادة السرية تؤدى إلى المرض النفسى أو إلى ضعف القدرة الجنسية فإنه لا يوجد دليل علمى على ذلك , ويبدو أن هذه الأقوال مرتبطة أكثر بالتحريم الأخلاقى أو الإجتماعى ,
أما من الناحية الطبية فإن العادة السرية تصبح عرضا مرضيا فقط فى ثلاث حالات :
1 – حين تصبح قهرية , بمعنى أن الشخص لا يستطيع التحكم فيها وينغمس فيها لأوقات طويلة حتى وهو غير مستمتع بها .
2 – حين يسرف فيها إلى درجة كبيرة , فالإسراف فى أى شئ يعتبر اضطرابا يخرج عن إطار الصحة التى تتطلب الإعتدال , والإسراف هنا يؤدى إلى حالة من الإرهاق والتشوش والعصبية , ويستهلك طاقة الإنسان التى كان يجب أن توظف فى أنشطة إيجابية .
3 – حين تصبح بديلا للمارسة الجنسية الطبيعية فيكتفى بها الشخص وينصرف عن الزواج أوعن الزوجة .
ونظرا لاأن العادة السرية تمارس على نطاق واسع فى كل الثقافات لذا يرى الباحثون أنها مرحلة فى النمو النفسى-الجنسى , وأنها فى فترات معينة تكون نشاطا تكيفيا لحين توافر الممارسة الطبيعية .
كان هذا هو الرأى الطبى والذى ننقله عن عدة مصادر أهمها :
Synopsis of Psychiatry , By Sadock ,B and Sadock , V , vol 2 , 2004
وهو المرجع الأساس فى الطب النفسى فى أكثر دول العالم , وقد يختلف البعض أو يتفقون مع بعض أو كل ما ورد فيه , ولكنه يبقى رؤية طبية قائمة على الملاحظة العلمية والدراسات الإحصائية , وكعادة العلم فهو قابل للمراجعة والتعديل مع توالى الدراسات والأبحاث .
حكم الشرع فى العادة السرية (الإستمناء) :
حسب علمنا وبعد محاولات بحث وتقصى عديدة لا يوجد حديث صحيح حول موضوع الإستمناء (العادة السرية) , وكل ما ورد من أحاديث عنها إما ضعيف أو موضوع , مثل " ناكح كفيه ملعون" . وهذا يستدعى وقفة وتأملا , فعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا إلا وضّحه وتحدث فيه إلا أنه لم يتحدث عن هذا الأمر وسكت عنه مع أنه منتشر بين الناس وخاصة الشباب فى ذلك العصر وفى كل العصور , ولا يتصور أن يسكت الرسول عن أمر واسع الإنتشار كهذا الأمر نسيانا , وهذا يجعلنا نتعامل مع هذا الأمر على أنه من المسكوت عنه رحمة بالناس وتقديرا لضعفهم واحتياجاتهم . أما على مستوى القرآن الكريم فالله تعالى يقول فى سورة المعارج : "والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " ( المعارج 29-31 ) . ووردت آيات ثلاث بنفس النص فى سورة المؤمنون : " والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) (المؤمنون 5-7) .
يقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات من سورة "المؤمنون" : " أى والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنى ولواط , لا يقربون سوى أزواجهم التى أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السرارى , ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ولهذا قال " فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك" أى غير الأزواج والإماء "فأولئك هم العادون" أى المعتدون . وقد استدل الإمام الشافعى رحمه الله ومن وافقه على تحريم الإستمناء باليد بهذه الآية الكريمة "والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم ألأو ما ملكت أيمانهم " قال فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين , وقد قال الله تعالى "فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" , وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفه فى جزئه المشهور حيث قال : حدثنى على بن ثابت الجزرى عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين ويدخلهم النار فى أول الداخلين إلا أن يتوبوا ومن تاب تاب الله عليه : الناكح يده , والفاعل والمفعول به , ومدمن الخمر , والضارب والديه حتى يستغيثا , والمؤذى جيرانه حتى يلعنوه , والناكح حليلة جاره " , هذا حديث غريب وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته والله أعلم (ابن كثير , تفسير القرآن العظيم , الجزء الثالث , دار المعرفة , بيروت , صفحة 249, 250 ) .
وقد اختلف العلماء حول المقصود من قوله تعالى " ما وراء ذلك " كالتالى :
* الشافعية والمالكية : رأو أن العادة السرية ( الإستمناء ) تدخل فى " ما وراء ذلك " وبالتالى فإن من يرتكبها يكون من " العادون " , وبالتالى فهى حرام . وهذا الحكم يجعل العادة السرية فى مقام الزنا , ولم يقل بذلك أحد , والقول بالتحريم هنا لا يستند إلى دليل صريح .
* الحنفية : رأوا أن " ما وراء ذلك " يقصد بها الزنا فقط , وبالتالى فإن العادة السرية مكروهة , وإن ممارستها تنتقل من الكراهة إلى الإباحة بثلاثة شروط :
1- أن يلجأ اليها الشخص خشية الوقوع فى الفاحشة
2- أن من يقوم بها يكون غير متزوج
3- أن يمارسها لتصريف الشهوة إذا غلبته وليس لإثارة الشهوة الكامنة
ويقول الشيخ سيد سابق عن احكم الإستمناء ( العادة السرية ) فى كتابه "فقه السنة" ( المجلد الثانى الطبعة الثامنة , 1407ه-1987م , دار الكتاب العربى , بيروت , صفحة 388-390 ) :
" إستمناء الرجل بيده مما يتنافى مع ما ينبغى أن يكون عليه الإنسان من الأدب وحسن الخلق , وقد اختلف الفقهاء فى حكمه : فمنهم من رأى أنه حرام مطلقا , ومنهم من رأى أنه حرام فى بعض الحالات وواجب فى بعضها الآخر , ومنهم من ذهب إلى القول بكراهته . أما الذين ذهبوا إلى تحريمه فهم المالكية والشافعية والزيدية , وحجتهم فى التحريم أن الله سبحانه أمر بحفظ الفروج فى كل الحالات , إلا بالنسبة للزوجة وملك اليمين , فإذا تجاوز المرء هاتين الحالتين واستمنى كان من العادين المتجاوزين ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم , يقول الله سبحانه : " والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " ( المعارج 29-31 )
وأما الذين ذهبوا إلى التحريم فى بعض الحالات والوجوب فى بعضها الآخر فهم الأحناف , فقد قالوا : إنه يجب الإستمناء إذا خيف الوقوع فى الزنا بدونه ,جريا على قاعدة : ارتكاب أخف الضررين . وقالوا: إنه يحرم إذا كان لاستجلاب الشهوة وإثارتها . وقالوا : إنه لا بأس به إذا غلبت الشهوة , ولم يكن عنده زوجة أو أمة واستمنى بقصد تسكينها .